التأمين في مشروع قانون موازنة 2021 - مصباح كمال
القسم الأول:
قراءة لإصلاح التأمين في النص النهائي للمشروع
وصلني هذا اليوم 29 كانون الأول 2020 من د. بارق شبر نص "مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2021" المرسل بتاريخ 28 كانون الأول 2020 إلى مجلس النواب العراقي.
يضم مشروع القانون تحت باب (تعظيم الإيرادات غير النفطية)، البند ثالثًا، ص 90-91، موادًا لـ(إصلاح قطاع التأمين). تقول الفقرة التمهيدية (وننقلها بصياغتها الضعيفة) ما يلي:
يعاني هذا القطاع من اهمال واضح جدا، جميع دول العالم اقتصادها يعتمد على نشاط هذا القطاع وفي العراق للأسف فقط أسماء لشركات غير فعالة هناك جملة من الإصلاحات ندرج أهمها وبعض الإصلاحات جاءت بها الورقة البيضاء.[1]
لغة الإهمال المستخدمة هنا، عكس ما يقول المشروع ليست واضحة، إذ لا نعرف مصادر الإهمال؛ أهي الدولة ومؤسساتها أم شركات التأمين نفسها. وعلى أي حال، فإن الإقرار بالإهمال خطوة أفضل من نكرانه أو التغطية عليه.
ونقرأ في هذه الفقرة التمهيدية أن هناك جملة إصلاحات ويكتفي المشروع بإدراج أهمها، وهذه تتوزع على ثمانية مواد سنتناولها بالتعليق حسب تسلسلها في المشروع مع اقتباس ما هو أساسي فيها.
(1)
"اعداد مشروع قانون موحد للتأمين في العراق كون القوانين المعمول بها حاليا غير مجدية ومبعثرة ..."
هناك عدم وضوح وربما فهم المراد من "قانون موحد للتأمين" فهل أن هذا القانون الموحد هو توحيد القوانين الخاصة بعقود معينة للتأمين[2] (أورد المشروع ثلاثة منها هي: تأمين إلزامي على السيارات، تأمين صحي شامل، التأمين على الحياة)؟ أم توحيد القوانين المنظمة للنشاط التأميني (كقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005)؟
ونقرأ في هذه المادة أيضًا اقتراحًا لتشكيل "لجنة عليا تضم خبراء التأمين من المتقاعدين لإعداد مسودة المشروع" أي مشروع القانون الموحد للتأمين. وهو اقتراح يستحق الثناء فالعراق ما يزال يضم مثل هؤلاء الخبراء، والقلة منهم ما زالت تعمل في قطاع التأمين. وهؤلاء أدرى بقضايا القطاع من المستشارين الذين اعتمدهم بول بريمر لصياغة الأمر رقم 10 الذي شرَّع لتجاوز شركات التأمين العراقية وأباح التأمين خارج العراق وساهم في إضعاف قدرة شركات التأمين العراقية بأعمال التأمين.
(2)
"تفعيل قرار مجلس قيادة الثورة المنحل والمرقم 192 في 1998 والمتضمن عدم إجراء التأمين خارج العراق مباشرة على اشخاص او أموال موجودة في العراق او مسؤوليات قد تتحقق فيه وحصرها في الشركات العراقية العامة والخاصة المجازة من قبل ديوان التأمين."[3]
تقرُّ هذه المادة ضمنًا بسريان هذا القرار لأنه لم يُلغى ولكنه ظلَّ مهملًا، وربما لم يستقطب ما يستحقه من اهتمام لأسباب سياسية، أو نسيان وجوده، أو اعتبار الأمر رقم 10، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، هو القانون الوحيد النافذ رغم أن هذا القانون لم يلغي قوانين التأمين التنظيمية السابقة.
راجع موقفنا النقدي في القسم الثاني من هذه الورقة.
(3)
"تفعيل كل المواد التي تطرقت الى التأمين المذكور في قانون 54 لسنة 2017 وهو تصديق جمهورية العراق على الاتفاقية العربية لتنظيم نقل الركاب على الطرق إلى الدول العربية وغيرها ..."
ومثل هذا القانون ينظم حركة وسائل النقل البرية بين البلاد العربية حسب ما يُعرف باتفاق البطاقة البرتقالية، تمَّ التوقيع عليه في تونس بتاريخ 26 نيسان 1975 من قبل معظم البلدان العربية.[4]
(4)
"هناك العشرات من شركات التأمين العاملة في العراق منها ما يتمتع بكل المواصفات الدولية والمحلية ومنها لا يصلح ان يكون اكثر من (دكان) بسوق التأمين. عليه لا بد من وضع تعليمات لتصنيف هذه الشركات ... "[5]
ربما يأتي استدراك وجود عدد من شركات التأمين الخاصة، دكاكين التأمين، متأخرًا عن وقته. وهو يكشف عن ضعف ديوان التأمين في أداء عمله الرقابي واكتفائه بالمتطلبات الشكلية للحصول على إجازة مزاولة النشاط التأميني. يشير البعض، دون توثيق، إلى أن مصدر رأسمال بعض هذه الشركات الخاصة مشبوه، يمثل غسيلًا للأموال هذا إن لم يكن متأتيًا بفضل الفساد المالي المتفشي في العراق.
إن الدعوة إلى تصنيف شركات التأمين سيكشف هشاشة الموارد المالية للعديد من شركات التأمين وضعف ملاءتها المالية وقدرتها على مواجهة مطالبات التعويض الكبيرة.
هناك إشكالية تتمحور حول التصنيف السيادي الذي يكمن وراء تصنيف شركات التأمين. وقد تساءلنا في مقالتنا "هل هناك مشروع حقيقي لتصنيف شركات التأمين العامة في العراق؟" إن كانت الشركات الثلاث [شركة التأمين الوطنية، شركة التأمين العراقية، شركة إعادة التأمين العراقية] مرتاحة للتصنيف الائتماني للعراق أو ترى أن هذا التصنيف جيد (رغم التضارب بشأنه من قبل شركات التصنيف) وهذا هو الوقت المناسب للحصول على تصنيف لها أيضاً، إذ أن التصنيف الائتماني للبلد يُؤخذ بنظر الاعتبار عند تصنيف شركات التأمين، إضافة إلى عوامل أخرى كأهلية الإدارة، والبيانات المالية للشركات وغيرها من معايير التصنيف التي تتبعها شركات التصنيف."
(5)
"التأكيد على التأمين الهندسي اتخذ الديوان إجراءات مهمة بخصوصه واخضع كافة المشاريع المنفذة بالوزارات والمحافظات خاصة الى التامين الهندسي."
علينا أن نغض النظر عن بؤس صياغة هذه المادة لنكتشف أن المُراد منه، كما نرى، هو إجراء التأمين الهندسي على المشاريع الإنشائية المدنية والميكانيكية والكهربائية والكيمياوية وفق التوجيهات التي كانت تصدرها وزارة التخطيط.[6]
وقد كتبنا في ورقتنا "شركة عامة لا تؤمن على عقودها" أن "الدولة، قبل أن يبتلعها الحزب الذي وضع نفساً مالكاً لها، وضعت ضوابط لتوفير الحماية التأمينية للمشاريع الحكومية إذ أصدرت الهيئة التوجيهية لمجلس التخطيط قراراً في 23 تشرين الثاني 1971 أوصت فيه الآتي:
1- اعتماد النص الموحد لشروط التأمين في كافة عقود المقاولات الهندسية المدنية التي تنفذ لصالح القطاع العام.
2- عدم توقيع العقد مع المقاول (الخاص أو العام)، بعد الإحالة، ما لم يقدم استشهاداً من شركة التأمين بأن معاملة التأمين هي قيد الإنجاز.
3- عدم صرف أية سلف أو مستحقات مالية إلى المقاول ما لم يقدم وثيقة التأمين المطلوبة. ويكون المدير المالي أو المحاسب مسؤولاً خلاف ذلك.
ورغم أن القرار جاء بصيغة "توصيات" إلا أنها تحولت إلى توجيهات ملزمة بفعل الممارسة حتى أن المقاول، العراقي أو الأجنبي، الذي كان يتغاضى عن التأمين يضطر في نهاية الأمر إلى استصدار ما كان يعرف بأجر المثل كي يستطيع غلق حساباته مع رب العمل (صاحب المشروع) واستلام مستحقاته منه."
(6)
"عدم ترويج أي عقد ايجار أو بيع العقارات لدى كتاب العدول الا بعد تقديم وثيقة تأمين (للمحلات التجارية والشركات) ضد الحريق والزلازل ويحتاج الموضوع الزام من دائرة التسجيل العقاري."
لطالما دعونا إلى جعل بعض فروع التأمين إلزاميًا، ففي تمنياتنا للعام 2014 كتبنا عن "إلزامية التأمين على خطر الحريق، ومسؤولية رب العمل، والمسؤوليات المهنية، والمسؤولية العشرية.[7]
كان من المناسب التأكيد على أن مثل هذه الوثيقة يجب أن تكون صادرة من شركة تأمين مسجلة لدى مديرية تسجيل الشركات ومجازة من قبل ديوان التأمين.
(7)
"التأمين على القروض السكنية والصناعية بمختلف أنواعها على ان تصدر وثيقة التامين من احدى شركات التامين المجازة من قبل الديوان."
وهذا يندرج تحي باب إلزامية التأمين وقد كتبنا عنها في مناسبات سابقة.[8] وقتها تساءلنا:
ترى هل ستصدر تعليمات لاحقة بشأن التأمين مع شركات تأمين عراقية أم ان موضوعه سيترك لتصرف المستفيد من القرض. وهل سيجري تفصيل وثائق التأمين المطلوبة. نقول هذا وفي بالنا أن العديد من برامج القروض تأتي على ذكر ما يعرف بمتطلبات الحد الأدنى للتأمين minimum insurance requirements. وأرى أن هذه الفرصة مواتية لإدخال بند خاص بمتطلبات التأمين لقروض المشاريع.
إن هذا البرنامج يوفر مصدراً جديداً للطلب على التأمين الهندسي للمشاريع وربما التأمين البحري وغيرها من وثائق التأمين.
ويـأتـي الإصلاح المقترح في هذه المادة ليؤكد على التأمين بموجب وثيقة "صادرة من إحدى الشركات المسجلة لدى الديوان."
(8)
"الزام وزارة التجارة بعدم اصدار أي إجازة استيراد الا بعد تقديم وثيقة تامين على البضائع التي سيتم استيرادها على ان تكون صادرة من احدى الشركات المسجلة لدى الديوان."
تناولنا بالتحليل مضامين هذا الاقتراح بصيغته التي وردت في المادة 61 من مسودة مشروع الموازنة 2021 (راجع القسم الثاني من هذه الورقة).
ملاحظة أخيرة
إن جميع الإصلاحات المقترحة لقطاع التأمين هنا تحمل نفسًا إيجابيًا. صحيح أنها تأتي متأخرة إلا أن مجرد ضمها لمشروع قانون موازنة 2021 سيرفع من معنويات دعاة إصلاح قطاع التأمين، كما أنها ستعمل تدريجيًا على تعظيم حجم أقساط التأمين التي ستكتتب بها شركات التأمين العراقية المجازة من قبل ديوان التأمين، وخاصة في فرع التأمين البحري-بضائع والتأمين الهندسي (تأمين كافة أخطار المقاولين وتأمين كافة أخطار النصب) والتأمين من الحريق. إضافة إلى تطوير التأمين على الحياة والتأمين الصحي.
سيقتضي تبني وتطبيق هذه الإصلاحات تعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، وإعادة النظر بقانون تأسيس شركة التأمين الوطنية رقم 56 لسنة 1950، إضافة إلى قوانين أخرى.
إن الأمل معقود على موافقة مجلس النواب على هذه الإصلاحات، واللجنة العليا التي ستضم خبراء التأمين المتقاعدين لإعداد مسودة مشروع "القانون الموحد للتأمين" (القانون المنظم لعقود التأمين، والقانون المنظم للنشاط التأميني)
29 كانون الأول 2020
القسم الثاني:
قراءة لإصلاح التأمين في نص مسودة المشروع
استلمت يوم 27 كانون الأول 2020 الرسالة التالية من الأستاذ عبد الباقي رضا:
وأنا أقرأ مشروع موازنة 2021 وصلت الى المادة 61 منه فرأيت أن أنقلها اليك نصا:
(إلزام المصارف الحكومية والأهلية بالتأمين على الاعتمادات المستندية المفتوحة لديها للبضائع المستوردة من المنشأ الى مخازن الدوائر الحكومية والتجار باستثناء المواد الغذائية الاساسية والادارية والمستلزمات الاساسية المتعلقة بالأمراض المستعصية لدى شركات التأمين العراقية الاهلية والعامة والشركات الاجنبية التي لديها فروع مسجلة بالعراق ومرخصة بممارسة التأمين).
هذه خطوة اولى جيدة ان مررت في مجلس النواب فلننتظر.
إن الأستاذ عبد الباقي رضا على حق إذ يعتبر ما جاء في هذه المادة من مشروع موازنة 2021 "خطوة أولى جيدة إن مررت في مجلس النواب فلننتظر." هي خطوة أولى جيدة، ومهمة أيضًا، لكنها بحاجة إلى تحرّك من جانب ممثلي قطاع التأمين. وقد كتبت في نفس اليوم التعليق التالي.
نثير في البدء سؤالًا: لماذا تستثني المادة 61 من المشروع "المواد الغذائية الاساسية والادارية والمستلزمات الاساسية المتعلقة بالأمراض المستعصية." هل لأن شركات التأمين العراقية غير قادرة على تأمين هذه المواد اعتمادًا على طاقتها الاستيعابية وتلك التي يوفرها إعادة التأمين لها؟ أم أن عقد استيراد مثل هذه المواد يتضمن قيام المجهز بإجراء التأمين؟ نتمنى أن يقدم ممثلو الحكومة تفسيرًا لهذا الاستثناء. وكذلك تفسير معنى المواد "الإدارية."
انتظار ما سيقرره مجلس النواب
إن التذكير بالانتظار لا يأتي من فراغ إذ أنه، من رأيي، يقوم على تخوّف من عدم تمرير هذه المادة من قبل مجلس النواب، أو محاولة إضعافها من خلال إدخال تعديلات عليها تسلب فعاليتها أو تضعف المعنى المقصود منها للإبقاء على مصالح فئات معينة تستفيد ماليًا من الوضع القائم وبمباركة من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10) الذي صاغه المحتل الأمريكي، وهو ما سنعلق عليه فيما بعد.
هناك مصالح ستتضرر في حال تمرير هذه المادة. فالبعض يقول بأن بنك التجارة العراقي Trade Bank of Iraq لم يتعاون مع شركات التأمين العراقية في الامتناع من فتح اعتماد دون أن يكون هناك وثيقة تأمين بحري على البضائع المستوردة صادرة من شركة تأمين عراقية. وهذا يفسر لماذا لا تقوم الوزارات بتأمين استيراداتها مع شركة تأمين عراقية، وتوقع عقودها مع المجهزين وفق شرط سيف Cost, Insurance & Freight (CIF) أي الكلفة والتأمين وأجور الشحن بدلًا من شرط سي أند إف (C&F)Cost & Freight أي القيمة التجارية للبضاعة المستوردة مضافًا إليها أجور ومصاريف الشحن كي يتمّ التأمين داخل العراق. لقد تم استيراد آلاف الأطنان منذ 2003 من المواد الأساسية كالحنطة والرز وبأسعار مبالغ فيها وفق شرط البيع CIF.
أما لماذا الإصرار على تجاوز شركات التأمين العراقية وإبرام عقود شراء المواد على أساس الكلفة والتأمين وأجور الشحن فهو سؤال جوابه موجود لدى الوزارات المعنية والمؤسسات التابعة لها. بعض شركات التأمين العراقية تؤشر على وجود فساد، رشى، وراء مثل هذه العقود. لنتذكر أن حجم أقساط التأمين التي تكتتب بها هذه الشركات صغير.
جدول (1) أقساط التأمين البحري بضائع، 2014-2019
ألف دينار
السنة | الأقساط المكتتبة |
2014 | 5,113,730 |
2015 | 2,497,491 |
2016 | 1,252,770 |
2017 | 2,090,994 |
2018 | 2,334,167 |
2019 | 2,142,578 |
المصدر: جمعية التأمين العراقية
هذه الأرقام هزيلة[9] مقارنة بملايين الدولارات التي انفقتها الوزارات على استيراد السلع الأساسية، وعقود المشاريع الكبيرة، والتأمين عليها مباشرة بفضل شرط سيف (الكلفة والتأمين وأجور الشحن) أو من خلال سماسرة السلع مع شركات تأمين أجنبية. شركات التأمين العراقية تتشكى من تدني محافظ التأمين البحري لديها وهي تشهد الأرقام الكبيرة لاستيراد الحبوب وغيرها من السلع الأساسية دون أن تترجم هذه الأرقام إلى أقساط للتأمين في محافظها.
القيمة القانونية للمادة 61 في مشروع موازنة 2021: نقض بعض أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005
إن لم أكن مخطئًا فهذه هي المرة الأولى التي تعمد فيها الحكومة إلى تقديم مشروع لقلب الموازين الداعمة لأحد وجوه الفساد والانتصار لشركات التأمين العراقية. لطالما دعوت مع زملاء آخرين إلى اعتماد عقود البيع الدولية الخاصة باستيرادات العراق على شرط سي أند أف C&F ولكن دون أن يستجيب ديوان التأمين أو الحكومة لهذه الدعوة.
إن المادة 61 في مشروع موازنة 2021 تأخذ بعين الاعتبار مطلب إجراء التأمين على الاستيرادات لدى شركات تأمين عراقية عامة أو خاصة. وهذه الالتفاتة مهمة لأنها تتجاوز الثغرات المدسوسة بعناية في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 التي تسمح بتسرب أقساط التأمين خارج العراق. فهذا القانون، وكما يقول منعم الخفاجي، لم يتطرق
لأهم موضوع لحماية قطاع التأمين ألا وهو وجوب تأمين الممتلكات الموجودة في العراق والبضائع والعدد القادمة إليه والمسؤوليات التي قد تتحقق فيه لدى شركات تأمين مسجلة في العراق، علما إن هذا الموضوع مطبق في كافة الدول العربية والإقليمية وحتى العالمية بصيغة أو بأخرى. [10]
في دراسة لنا بعنوان "المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون"[11] حاولنا تلمُّس الوسيلة القانونية لضمان التأمين على الأصول العراقية لدى شركات تأمين عراقية مسجلة لدى مديرية تسجيل الشركات ومجازة لمزاولة التأمين من قبل ديوان التأمين. جاء في هذه الدراسة:
"أن شركات التأمين غير العراقية وغير المسجلة لدى وزارة التجارة وغير المجازة من قبل ديوان التأمين العراقي تقوم بالاكتتاب بالأعمال العراقية في أوطانها وبذلك تحرم شركات التأمين العراقية، المسجلة والمجازة من قبل الديوان وتدفع الضرائب والرسوم عن نشاطها إلى خزينة الدولة، تحرم من حقها القانوني في الاكتتاب بأعمال التأمين. وقد نشأ هذا الوضع، الذي خسرت شركات التأمين العراقية بسببه ملايين الدولارات من الأقساط مثلما خسرت الخزينة إيرادات رسم الطابع على وثائق التأمين وكذلك إيرادات الضريبة على شركات الـتأمين، وكل ذلك لأن قانون تنظيم أعمال التأمين لا يضمُّ مواد إضافية لضبط الاكتتاب وحصره بشركات التأمين العراقية المرخصة وضمان الالتزام بهاتين المادتين [أحكام خاصة بتحديد الشركات التي يحق لها مزاولة أعمال التأمين في العراق، وربط مزاولة هذه الأعمال بالحصول على إجازة من ديوان التأمين]. لا بل أن القانون يؤكد على حرية شراء منتجات التأمين وخدماته من أي شركة للتأمين أو إعادة التأمين. فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 81 في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 ما يلي:
لأي شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص الحق في الاختيار بشراء منتجات التأمين وخدماته من أي مؤمِن أو معيد تأمين ما لم ينص القانون خلاف ذلك.
ولم ينص هذا القانون أو غيره خلاف ذلك. إزاء هذا الوضع يصبح ضرورياً القيام بالمراجعة الفنية والقانونية لقانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 فهو يشكل العنصر الأساس في السياسة التأمينية الوطنية.
وقد اقترحنا وضع ضوابط بهذا الشأن وإدخال بعض التعديلات على القانون ومنها:
1 اشتراط إجراء التأمين على الأصول والمسؤوليات القانونية الناشئة عنها لدى شركات تأمين مسجلة لدى الدوائر المختصة في العراق ومجازة من قبل ديوان التأمين العراقي، السلطة الرقابية، بموجب المادتين 13 و 14 من القانون.
2 تحريم إجراء التأمين خارج العراق، أي خارج القواعد الرقابية التي يديرها الديوان، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية prohibition of non-admitted insurance واعتبار مثل هذا النوع من التأمين باطلاً إلا في حالات محددة يجب النص عليها ودائماً دون إجحاف بمصالح شركات التأمين المسجلة في العراق والمجازة من قبل الديوان.
3 فرض غرامات مالية وغير مالية عند مخالفة هذا الشرط وإلزام الطرف المخالف بشراء التأمين من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
ويمكن تعزيز الالتزام بهذه الشروط وضمان تطبيقها من خلال التنسيق مع أطراف أخرى ومنها:
الإدارات الجمركية عن طريق تقييد إخراج البضائع المستوردة على أنواعها من الموانئ العراقية البرية أو البحرية أو الجوية وذلك باشتراط إبراز وثيقة تأمين صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق.
عدم تقديم السلف أو الدفع على الحساب أو إجراء التسوية النهائية لعقود المقاولات دون إبراز وثيقة تأمين صادرة من شركة تأمين مسجلة ومجازة في العراق. وكانت الممارسة في الماضي تقوم على إلزام المقاول، عند تخلفه عن إجراء التأمين، تسديد أجر المثل (قسط التأمين المقابل لتأمين عقد المقاولة) والذي كان يستقطع من استحقاقات المقاول لدى رب العمل.
النص في عقود الدولة على إجراء التأمين مع شركات تأمين مسجلة ومجازة في العراق. وهذا أمر منوط بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي كما أظن.
بعض هذه الأفكار وجدت لها آذاناً صاغية لدى العديد من العاملين في شركات التأمين العراقية العامة والخاصة إلا أنها لم تترجم إلى عناصر في حملة ضغط جماعية قوية على المُشرّعين والاكتفاء بمخاطبة من احتل موقع وزير المالية."
إن المادة 61 من مشروع موازنة 2021 لا تلغي أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لكنها تضعف الأحكام ذات العلاقة بالتهرب من التأكيد على توطين التأمين البحري على البضائع. وستتوطد قوتها القانونية مع موافقة مجلس النواب على المشروع.
ما المطلوب من قطاع التأمين العراقي؟
من الضروري إبقاء الضغط على مجلس النواب للموافقة على المادة 61 تمهيدًا لتعديل قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005. يمكن لهذا الضغط أن يتخذ شكل اللقاءات مع نواب المجلس وأعضاء اللجان النيابية المختصة، والكتابة في الصحف، وتنظيم اللقاءات في القنوات الفضائية، وعقد ندوة/ندوات حول الموضوع، وإعداد أوراق متخصصة حول الموضوع، ورصد مناقشات المجلس لمشروع الموازنة والانخراط ضمن الوسائل المتاحة في مناقشة كل ما يتعلق بالمادة.
ويمكن لجمعية التأمين العراقية القيام بهذه النشاطات، وكذلك شركات التأمين منفردة أو مجتمعة مع بعضها، بضمنها شرك إعادة التأمين العراقية، ذلك لأن موضوع المادة 61 يمس مصالح جميع شركات التأمين، مثلما يستطيع الديوان المبادرة إلى عرض موقف داعم لهذه المادة.
هذه فرصة جيدة لإظهار حضور شركات التأمين والاستعداد للتغلب على الانتقادات التي نتوقع أن توجه لها سواء ما تعلق منها بأدائها منذ 2003 وقدرتها على الاكتتاب وتسوية المطالبات بالتعويض بكفاءة وغيرها.
27 كانون الأول 2020
[1] راجع ورقتنا حول التأمين في الورقة البيضاء: "في نقد خطة إصلاح التأمين في الورقة البيضاء،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
[2] بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين، (عمان: دار الثقافة، 2012)، "المبحث الختامي: مشروع قانون التأمين،" ص 827-886.
[3] مصباح كمال، "المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون،" الثقافة الجديدة، عدد مزدوج 353-354، كانون الأول 2012
http://www.iraqicp.com/2010-11-21-17-19-16/28074-----353-354-----.html
وكذلك، مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014)، ص 171-182.
[4] للمزيد من التفاصيل راجع موقع الاتحاد العام العربي للتأمين:
https://www.gaif-1.org/ar/edit_achivment_ar.php?Section_No=6&Id=83
[5] مصباح كمال، "هل هناك مشروع حقيقي لتصنيف شركات التأمين العامة في العراق؟" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
http://iraqieconomists.net/ar/2016/11/01/
[6] مصباح كمال، "شركة عامة لا تؤمن على عقودها،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
وكذلك، مجلة التأمين العراقي:
http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/03/a-state-owned-company-not-insuring-its.html
[7] من بين ما كتبنا: "تمنيات تأمينية عراقية لسنة 2013" مجلة التأمين العراقي
http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2013/12/insurance-wishes-for-2014.html
[8] مصباح كمال، "برنامج البنك المركزي للقروض الصناعية والزراعية والإسكان ومكانة التأمين،" مجلة التأمين العراقي
http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2015/09/7-2015-2015.html
[9] ربما يتبرع أحد العاملين في شركة التأمين الوطنية بالبحث في حجم أقساط التأمين البحري-بضائع خلال سبعينيات القرن الماضي. العالق في الذهن هو أن هذه الأقساط كانت بعشرات وربما مئات الملايين في أوج هذه الفترة.
[10] منعم الخفاجي، "الورقة البيضاء وقطاع التأمين،" موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين
تعليقات
إرسال تعليق