أزمة صناعة التأمين .. فشل النشاط واستحالة الموت - بقلم / أوليفر رالف
لطالما واجهت شركات التأمين مشكلة دائمة ومستعصية: زبائنها لا يحبونها
كثيراً. إنها النتيجة الطبيعية لعلاقة لا تظهر على وجه الحياة، إلا عندما يحدث شيء
غير سار.
لذا فقد توصل البعض في الصناعة إلى حل للمشكلة: التوقف عن كون شركات
التأمين شركات تأمين تقليدية.
فلتكن مجموعات "خدمات" بدلاً من ذلك، بحيث تقدم شيئا ما
يتجاوز الإرسال التقليدي للشيك بالبريد، للتعويض عن ذلك الخلل الذي لم يكن تماما بحسب
ما وُعدت به الشركة، أو إصلاح مصد السيارة المنبعج أو إصلاح أنبوب المياه المتسرب.
يقول جيمس شوك، المحلل في بنك سيتي: "تواجه الصناعة قدراً هائلاً
من التعطيل، في الوقت الذي تعيد فيه شركات مثل أمازون تعريف تجربة الزبائن. الزبون
لا يريد شراء منتج. الزبون يريد حلا لمشكلته".
التوقعات العالية ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه شركات التأمين.
في أجزاء كثيرة من العالم، أسواقها الأساسية ناضجة وتنافسية وبالكاد تتوسع على الإطلاق.
ومنذ الأزمة المالية، اضطرت إلى التعامل مع انخفاض أسعار الفائدة
والقواعد الجديدة لرأس المال، وكلاهما أثر في نماذج الأعمال التقليدية لديها.
ينظر إلى الخدمات بشكل متزايد على أنها الجواب عن كل هذه المشاكل.
تقول النظرية إنه إذا تم القيام بها بشكل صحيح، فإن تكاليف تقديم الخدمات ستولد زبائن
أكثر سعادة، وعائدات أعلى وأرباحا أقل تقلبًا للمستثمرين.
بالنسبة لبعض شركات التأمين، هذا الانتقال إلى الخدمات محاولة للاحتفاظ
بالزبائن والفوز بأعمال جديدة، ولكن بالنسبة لشركات أخرى، فإن هذا تحول جوهري في نموذج
الأعمال الذي سيغير علاقتها مع الزبائن والمستثمرين.
بعض الشركات مثل "ستاندرد لايف" في المملكة المتحدة توقفت
تماما عن كونها شركة تأمين. لقد تم نقل تصنيفها في سوق الأوراق المالية من قطاع التأمين
العام الماضي، بعد اندماجها مع شركة أبردين لإدارة الأصول.
الخدمات تأخذ أشكالا عديدة. شركة التأمين على السفر كوفر مور Cover More تقدم إخصائيين نفسيين
وممرضات في وقت الصدمة للزبائن، مثل "ليان لويد"، وهي أسترالية علِقت في
زلزال نيبال 2015.
وتضيف: "كانوا يدركون تمامًا أننا كنا في وسط وضع عجيب".
في إيطاليا، توفر شركة جنرالي خدمة مجالسة الأطفال للزبائن الذين يجب عليهم الإقامة
في المستشفى.
في التأمين التجاري، أطلقت شركة آر إس أيه RSA في المملكة المتحدة خدمة آر إس أيه رد RSARed، التي تسمح للزبائن بتتبع المخاطر في مواقع فردية أو متعددة.
في التأمين السيبراني، ينظر العملاء إلى الخدمات التي تتعامل مع
الهجمات على أنها جزء أساسي من البوالص التي يتم بيعها.
ماريو غريكو، الرئيس التنفيذي لشركة زيوريخ متحمس للغاية حول الخدمات
إلى درجة أنه أنفق العام الماضي 565 مليون دولار لشراء شركة كوفر مور Cover More. ويقول: "هذه فرصة
عظيمة للصناعة لتصبح مفهومة تمامًا للزبائن، التي ظلت سنوات طويلة بمنزلة ثغرة المقتل
بالنسبة إليها. لا يفهم الزبائن سبب حاجتهم للتأمين".
بالنسبة إلى غريكو، الهدف الرئيس من تقديم الخدمات هو تحسين ولاء
الزبائن في صناعة يمكن أن تكون ضعيفة على الأرض.
وكما يقول: "الصناعة بأكملها تعاني ضعفا استراتيجيا أساسيا
حول الزبائن. قد يكون لدى الزبائن 10 إلى 15 بوليصة تأمين، ولكن نادراً ما يكون أكثر
من اثنين أو ثلاثة منها مع الشركة "نفسها". ولاء العملاء منخفض وهذه أكبر
فرصة للنمو. لن يكون للصناعة كثير من فرص النمو الأخرى".
هناك أدلة على أن الاستراتيجية يمكن أن تنجح. قضت شركة بورتو سيغورو
البرازيلية عقودًا في بناء مجموعة من الخدمات لعملائها، من مواقف السيارات وإصلاح السيارات
إلى السباكة للمنزل.
هذا الاستثمار حقق أرباحا. في العام الماضي، حققت الشركة أرباحًا
صافية بلغت 135 مليون ريال برازيلي (36 مليون دولار) من أعمال خدماتها، مقابل 778 مليون
ريال من أعمال التأمين.
يقول هنريكناوجوكس، وهو شريك في شركة باين أند كومباني الاستشارية:
"إنها (بورتو سيغورو) شركة تأمين عالية السعر، لكنها تنمي باستمرار حصتها في السوق.
الناس يحبون الخدمات التي تعلنها الشركة بقوة. الناس مستعدون لدفع الثمن".
لا تسعى كل شرك تأمين ببساطة إلى تحسين الولاء في عالم ارتفعت فيه
توقعات العملاء. بالنسبة للبعض، التحول إلى الخدمات هو أيضًا طريقة لخفض تكاليف المطالبات.
سهلت التكنولوجيا على شركات التأمين مراقبة ما يقوم به زبائنها.
يمكن أن يكون هذا مفيدًا عندما يتعلق الأمر بتسعير البوالص، ولكن يمكن أيضًا استخدامه
لنصح الزبائن بكيفية تجنب الحوادث من النوع الذي قد يؤدي إلى مطالبة.
يقول شوك من سيتي: "بدلاً من كتابة الشيك عند حدوث أشياء سيئة،
فإن الشركة توقف الأشياء السيئة من الحدوث في المقام الأول".
على سبيل المثال، وضعت شركة جنرالي صناديق في بعض سيارات عملائها
التي تضيء عندما يقود السائق المركبة بشكل سيئ. شركة آر إس أيه RSA و"أفيفا" من
بين الشركات التي تقوم بتثبيت عدة الكشف عن التسرب في منازل زبائنها بحيث يمكن رصد
قطرات الماء قبل أن تتحول إلى برك.
في التأمين الصحي، تقدم شركة فايتاليتي Vitality لزبائنها المشورة بشأن أفضل طريقة لتناول الطعام وممارسة الرياضة.
كما تقيس نشاطهم عبر الأجهزة المتصلة مثل ومنها المعروف بـ: فيتبيتس Fitbits– يمكن للأشخاص الذين يشتركون
في الخطة الحصول على حسومات تصل إلى 60 في المائة على التأمين على حياتهم.
يرى آخرون التحول إلى الخدمات على أنه طريقة لتوليد تيار دخل جديد
بالكامل لاستكمال أو حتى استبدال أعمال التأمين التقليدية.
في التأمين على الممتلكات والتأمين ضد الحوادث، فإن "أكسا"
واحدة من الشركات التي تبحث عن إيرادات إضافية.
يقول غيوم بوري، رئيس قسم الابتكار في الشركة: "إحدى المشكلات
الكبيرة في الخدمات في مجال التأمين هي أن الزبائن ليسوا على استعداد لدفع ثمنها، لذلك
يصبح ذلك مركز تكلفة. والسؤال الذي نحاول حله هو: هل يمكننا إنشاء خدمات توفر قيمة
لأنفسها، من خلال كسب رسم ما أو دفع النمو".
ومن الأمثلة على ذلك شركة كير Qare، التي تم تطويرها من قبل مختبر ناشئ بتمويل من شركة أكسا يدعى
"كامِت"، وهي عيادة طبية افتراضية تتيح للناس الوصول إلى الأطباء الفرنسيين
عبر الجوال مقابل رسوم شهرية. يقول بوري: "نريد تنويع مزيج الأعمال وبناء تفاعل
منتظم للغاية مع الزبون".
شركات إعادة التأمين، التي تساعد شركات التأمين التقليدية على الحد
من مخاطرها، هي أيضا تستفيد من هذا. إن نموذج أعمالها يشمل قبول المخاطر مقابل علاوات،
مثلما تفعل أي شركة تأمين.
على أن المستثمرين يجازفون بشكل متزايد حول الدخول في مخاطر إعادة
التأمين من خلال الأدوات التي تسمى الأوراق المالية المرتبطة بالتأمين. وقد أدى ذلك
إلى انخفاض أسعار إعادة التأمين التقليدية.
يقول ناوجوكس: "هناك ظاهرة ذوبان جبل الجليد في إعادة التأمين.
إمكانات النمو لإعادة التأمين الكلاسيكية محدودة للغاية".
رداً على ذلك، بدأت شركات إعادة التأمين، مثل شركة سويس ري Swiss Re ورينيسانس ري RenaissanceRe ومقرها في برمودا، تكمل
أعمالها التقليدية من خلال أن تصبح وسيطاً بين عملائها المعتادين والمستثمرين الراغبين
في الدخول في المخاطر.
تأخذ شركات إعادة التأمين رسما لترتيب المعاملة وأحيانًا رسمًا استشاريا،
مع ترك المخاطر لجهة أخرى.
ووفقًا لشركة آرتميس المتخصصة في تقديم البيانات، فإن رينيسانس ري RenaissanceRe تدير أكثر من ملياري
دولار للمستثمرين الخارجيين بهذه الطريقة.
يقول براين شنايدر، مدير أعلى في وكالة فيتش للتصنيف: "يمكنهم
تحقيق دخل من الرسوم بمخاطر قليلة نسبياً، مع الاستمرار في العمل مع زبائنهم وتطوير
العلامة التجارية".
تقول شركات التأمين إن واحدة من مزايا بيع هذه الأنواع من الخدمات
هي أنها يمكن أن تولد إيرادات رسوم منتظمة مع متطلبات رأسمال منخفضة؛ لأنها غالبا لا
تنطوي على أن تتحمل شركة التأمين أي مخاطر إضافية.
وقد ذهب هذا الاتجاه إلى أبعد ما يكون في التأمين على الحياة، حيث
تقوم بعض الشركات بتجنب نماذج الأعمال القديمة والمنتجات لمصلحة شيء ترجو أن يكون أكثر
جاذبية لكل من المساهمين والزبائن.
على مدى سنوات، كانت شركات التأمين على الحياة راغبة في تحمل المخاطر
نيابة عن عملائها. بعض المنتجات، مثل الرواتب السنوية، تحمي الزبائن من خطر نفاد الأموال
قبل أن يموتوا.
وتقدم شركات أخرى ضمانات استثمارية تحمي الزبائن من مخاطر تحرك الأسواق
ضدهم. تعمل فرق ضخمة من الخبراء الإكتواريين على تحديد مقدار الرسوم التي تفرضها الشركات
مقابل تحمل هذه المخاطر.
على أنه في الفترة الأخيرة انتقلت شركات التأمين في جميع أنحاء العالم
إلى ما يطلقون عليه نماذج أعمال "رأس المال الخفيف". هنا، تقوم شركات التأمين
بإنشاء وبيع المنتجات المالية، وتحصل على رسوم مقابل ذلك، ولكن المخاطر تظل في الغالب
مع الزبون.
يقول بنجامين سيرا، نائب أعلى للرئيس في وكالة موديز للتصنيف:
"بسبب انخفاض أسعار الفائدة والأنظمة، يصبح من الصعب تقديم منتجات مضمونة"،
ويقول إن المنتجات الجديدة التي تقدمها الشركات هي أشبه ما تكون بمنتجات إدارة الأصول
منها لمنتجات التأمين.
كثير من شركات التأمين تتحرك ببطء في هذا الاتجاه. على الرغم من
أنها تبقى فيما يسمونه أعمال الحماية – الدفع إلى المعالين إذا مات الزبون على سبيل
المثال – إلا أنها تخرج من بعض الأجزاء الأكثر كثافة في رأس المال في هذه الصناعة.
يقول غريكو: "في التأمين على الحياة، سننتقل إلى مزيد من تقديم
الخدمات، وتطوير الخدمات الاستشارية أكثر من الدخول في المخاطر المالية على ميزانيتنا
العمومية".
في مكان آخر، حولت شركة أكسا Axa فرعها في الولايات المتحدة هذا العام إلى شركة عامة جزئياً؛ لأنه
كان أقل عرضة لمخاطر السوق، وتوقفت "برودنشال" في المملكة المتحدة عن بيع
الرواتب السنوية، التي اعتادت أن تكون أحد منتجاتها الأساسية.
أحد أكثر الأمثلة تطرفًا كانت شركة ستاندرد لايف، التي بدأت أعمال
التأمين على الحياة كشركة مملوكة من قبل العملاء أو حاملي البوالص في أدنبره عام
1825. بعد أن غيرت طريقة ملكيتها عام 2006، بدأ نموذج أعمالها فعلا في التغير.
على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، كانت الشركة تنتقل بعيداً عن التأمين
التقليدي ونحو منتجات استثمارية جديدة ذات رسوم مكتسبة ورأسمال خفيف، التي لها كثير
من القواسم المشتركة مع إدارة الأصول. وفي العام الماضي اندمجت مع "أبردين"
لإدارة الأصول، وهي شركة تقليدية لإدارة الصناديق. هذا العام وافقت على بيع أعمال التأمين
القديمة إلى مجموعة فينيكس.
تغير إدراج الشركة الناتجة عن الاندماج في سوق الأسهم إلى الشركات
المالية المتنوعة، لكن الانتقال نحو إدارة الأصول لا يخلو من التحديات.
يقول وليام لوتس، مدير أعلى في وكالة فيتش للتقييم الائتماني:
"في مجال المدخرات، يتعين على شركات التأمين التنافس بشكل مباشر مع المصارف وشركات
إدارة الأصول. إنها بيئة تنافسية للغاية".
تهيمن على هذه الصناعة كبرى شركات إدارة الأصول، مثل بلاك روك وفانجارد،
اللتين تتمتعان بوفورات هائلة في الحجم، وتقودان الأسعار إلى الانخفاض.
يقول ناوجوكس: "السؤال الرئيس لشركات التأمين هو ما تفعله بأنشطتها
في إدارة الأصول. هناك مسألة الحجم؛ حيث تكون أنت أصغر من أن تفوز، ولكن أكبر من أن
تموت. كثير من أنشطة إدارة الأصول في شركات التأمين تقع بالضبط بين هاتين الحالتين".
اعتبر المحللون اندماج "ستاندرد لايف" مع "أبردين"
محاولة لإيجاد النطاق الكبير من النوع الذي يسمح لها بالتنافس مع منافسين أكبر.
يبدو أن المستثمرين غير مقتنعين بكل هذه التغييرات. على مدى السنوات
الخمس الماضية، فقدت أسهم شركة ستاندرد لايف ثلث قيمتها. ارتفع سهم شركة ليجال أند
جنرال، وهي شركة تأمين في المملكة المتحدة تمسكت بشكل متين بجذورها في مجال التأمين،
28 في المائة خلال الفترة نفسها.
مع ذلك، كثيرون في الصناعة ينظرون إلى التحول نحو الخدمات – والابتعاد
عن الفكرة التقليدية وهي الدخول في المخاطر بالنيابة عن الزبائن – على أنه أمر حتمي،
في التأمين على الحياة وفي التأمين على الممتلكات وضد الإصابات.
يقول ستيفان جينيه، المؤسس والعضو المنتدب لشركة كامِت التابعة لشركة
أكسا: "ستنتقل الصناعة من تحويل المخاطر إلى مزيد ومزيد من الخدمات. سيكون المستقبل
من نصيب الذين يستطيعون تصميم وتسليم الخدمات. سيكون تحويل المخاطر عملا هامشيا
الإقتصادية 13.09.2018
تعليقات
إرسال تعليق