هل ستلغي سيارات النقل الآلية الحاجة إلى التأمين؟ بقلم / مصباح كمال
تقديم
نشر الأستاذ محمد عارف، مستشار في
العلوم والتكنولوجيا، مقالاً[1] طريفاً وغنياً عن قوة المعلومات الإلكترونية وآثارها المتوقعة
على بعض مظاهر الحياة. ما يهمنا في مقاله ما له علاقة بالتأمين وتوقع إفلاس
خدماته في المستقبل، وقد جاء ذلك في السياق التالي:
وتتضح قوة المعلومات التي تتحكم بها «غوغل» وتقدمها من خلال
صور وخرائط شوارع تنقلها الأقمار الصناعية المستخدمة في السيارات أو الزوارق، كما
تقدم لكل من يستخدم برنامجها في سيارته خرائط فورية لبلوغ هدفه في مدينة قد يدخلها
لأول مرة. هذه البرمجيات جعلت شركة التاكسي «أوبر» أكبر خدمة تاكسي في
العالم من دون أن تملك سيارة، فهي مجرد أداة برمجيات، وسوّاقها كل راغب يملك سيارة
بمواصفات تشترطها «أوبر».
وأنظمة النقل الآلية التي تطورها
«غوغل» و«تسلا» ستلغي الملكية الفردية للسيارات، ومعها شركات تأمينها، وإجازات
سياقتها، أي إفلاس إحدى أكبر شركات الخدمات في العالم.
نحاول في هذه الورقة تقديم بعض التعليقات المختصرة بشأن أطروحة
انتفاء الحاجة للتأمين على السيارات التي تعتمد على البرمجيات الإلكترونية/العقل
الاصطناعي.
- بعض
الآثار العامة لأنظمة النقل الآلية
أنظمة النقل الآلية ستؤثر بشكل كبير
على الطلب على الوقود الاحفوري إذ أنها ستعتمد على عمل بطاريات تشحن بالكهرباء أو
بطاريات معمرة أو تعمل بالطاقة الشمسية. كما أنها قد تستدعي مراجعة قوانين
المرور في الطرق العامة.
قد تلغي أنظمة النقل الآلية الملكية
الفردية للسيارات ولكن ربما تقوم شركات معينة باحتكار ملكية السيارات وتقوم ببيع
خدماتها إلى من هم بحاجة إليها. من هنا تنشأ الحاجة إلى اتفاق/عقد خدمات بين
الشركة المالكة لهذه الأنظمة ومستخدميها من الأفراد، ما لم تكن هناك حافلات نقل
آلية عامة والتي لا تفترض وجود “عقد” بين الراكب والناقل (يظل الناقل محكوماً
بمتطلبات المسؤولية المدنية تجاه الأطراف الثالثة، وضمان السلامة الإلكترونية
والميكانيكية لواسطة النقل).
- أطروحة
انتفاء الحاجة للتأمين
تفترض مقولة انتفاء الحاجة إلى التأمين أن أنظمة النقل الآلية
(ذاتية القيادة، أي بدون سائق) سوف لن تكون عرضة لحوادث قد تسبب أضراراً بدنية
ومادية، أي أن هذه الأنظمة لا تنطوي على مخاطر لأن أنظمة النقل الآلية تلغي الخطأ
البشري في القيادة (والمعروف أن معظم حوادث السيارات هي نتيجة لخطأ بشري)، وعندما
لا يكون هناك احتمال لقيام المخاطر تنتفي الحاجة إلى حماية التأمين من آثار
المخاطر.
- بعض
الآثار التأمينية لأجهزة النقل الآلية
من الآثار المتوقعة لشيوع استخدام
سيارات بدون سائق driverless cars القضاء على، أو قل الحد من، الغش في
مطالبات التعويض (اصطناع المطالبة) إذ أن كل سيارة سوف تضم أجهزة كمبيوتر متطورة
للغاية، ربما كتلك الموجودة على متن الطائرات، تسجل ما يجري للسيارة مثلما تقود
حركة السيارة.
لكن هذه التقنية المتطورة قد تكون عرضة إلى اختراق أجهزة
الكمبيوتر على متن السيارات عن بعد من قبل قراصنة – أي ظهور “جرائم السيارات
السِيبرانية” التي تهدف إلى الحصول على فدية مقابل إطلاق السيارة المستولى عليها
سيبرانياً. ويمكن لهذه الجرائم أن تأخذ شكل زيادة سرعة السيارة، من قبل
قراصنة هواة أو غيرهم، فوق الحد المقرر لها أصلاً، وبذلك يخلقون الأرضية لحالات
تصادم مع سيارات أخرى أو الخروج عن مسار الطريق وإلحاق الأذى بالمارة أو بممتلكات
الأطراف الثالثة على جانبي الطريق. ومن هنا تنشأ الحاجة إلى التأمين.
إذا فشلت السيارة ذاتية القيادة في
التعامل مع حالة الطريق (سيارات أخرى، الدراجات الهوائية، المارّة …الخ) لأي سبب
من الأسباب، وأدى هذا الفشل إلى وقوع حادث فإن مستخدمي السيارة لن يكونوا مسؤولين
عن حادث لم، وربما لن، يتمكنوا من منعه. المسؤولية هنا تقع على مُشغّل
السيارة عن بعد أو صانع السيارة، وإن قامت شركة التأمين بتعويض المتضررين من
الحادث فإنها تسترد مبلغ التعويض وتكاليف تسوية المطالبة من الجهة المسؤولة
(المُشغل أو الشركة الصانعة للسيارة).
ومن آثار هذه الأنظمة أيضاً، بفضل
التكنولوجيا الإلكترونية الداخلة فيها والتي تقلل من حوادث تصادم السيارات، تقليل
المطالبات بالتعويض. لكن المطالبات بالتعويض لن تختفي تماماً بسبب الحاجة
للحماية التأمينية من سرقة السيارات والتخريب المتعمد لها.
يمكننا القول إن التأمين على هذه الأنظمة لن يختفي بل سيتطور
للتجاوب مع معطيات السيارات المسيرة ذاتياً. فالتكنولوجيا الإلكترونية
المتطورة المضادة للتصادم يقلل من عدد وشدة مطالبات التأمين، وبالتالي فإنه يقلّص
من التعويضات التي تدفعها شركات التأمين. وبالنتيجة، تتقلص الحاجة إلى وجود
عدد كبير من شركات التأمين في مجال التأمين على السيارات. لكن التأمين،
إضافة لما ذكرنا، ليس متوقعاً أن يختفي تماماً لأسباب، منها الحاجة لتغطية السيارة
ضد السرقة أو التخريب المادي لهيكل السيارة أو التخريب الإلكتروني للأجهزة
الإلكترونية فيها.
ولهذا يمكن القول إن التأمين على
السيارات – تلك التي تعتمد على التعاون بين قائدها مع الأجهزة والبرمجيات
الإلكترونية الداخلة في متنها
computer assisted driving أو
تلك التي تعتمد على القيادة الآلية
driverless cars – لن يختفي
لكنه سيخضع للتطور مع المعطيات الإلكترونية الجديدة.
- تطوير
منتجات تأمينية لأجهزة النقل الآلية
في بريطانيا، وغيرها من البلدان، يعمل
العديد من شركات التأمين على تطوير وابتكار منتجات تأمينية للاستجابة مع طلب متوقع
على الحماية التأمينية لأجهزة النقل الآلية (السيارات ذاتية القيادة)، في حين
تنشغل شركات أخرى في العمل على تجربة هذه الأجهزة وابتكار البرمجيات الخاصة
بها. وما يهم شركات التأمين هو التأكد من سلامة الأجهزة والبرمجيات المبتكرة،
وكذلك تحديد مواطن المسؤولية قدر الإمكان.
إن شركات التأمين معنية باحتضان الأخطار، عدم التأكد لدى طالبي
التأمين، بطريقتها الخاصة، والتخفيف من نتائج أضرار وخسائر قد تنشأ عنها، وذلك
بالتعويض عنها.
وفيما يخص أجهزة النقل الآلية فإنها
تخلق وضعاً يكاد أن يكون فريداً يقوم على اعتماد أقل على مدخلات السائق (في
السيارات التي تستخدم مزيجاً من العنصر البشري ومدخلات التكنولوجيا الإلكترونية)
واعتماد أكثر، وربما الاعتماد الوحيد، على تكنولوجيا السيارات المتطورة. هنا
يُثار السؤال: ماذا يحدث عندما تفشل أنظمة الكمبيوتر في السيارة؟ وفي حالة
وقوع حادث، هل تقع المسؤولية على السائق أو الأجهزة والبرامج الموجودة في السيارة
نفسها؟
الحالة في الوقت الحاضر واضحة: تقع المسؤولية في غالبية حوادث
السيارات على عاتق السائق. ومع تطوير الأتمتة، فمن المرجح أن السائق سوف
يستمر في تحمل المسؤولية في حال وقوع حادث إذا كان قادراً على التدخل وتجاوز
التكنولوجيا والتحكم بالمدخلات الإلكترونية في السيارة. وهذا الوضع شبيه بما
يقوم به قبطان الطائرة عندما يتدخل في قيادة الطائرة لضرورات التعامل مع حالات
طارئة.
إن توفر فرصة التحكم من قبل سائق
السيارة في المدخلات الإلكترونية يخلق معه الحاجة لتطوير نظام تدريبي فعّال
للسائقين لضمان حسن استخدام هذه المدخلات للحيلولة دون وقوع الحوادث. يعني
هذا تعديل طريقة تعلم سياقة السيارات، والتي تتطلب تعديلات على الطريقة التقليدية
في تعلم واكتساب مهارات السياقة.
التحول صوب الأجهزة الآلية للنقل
سيغير من تحديد المسؤولية بنقلها من السائق إلى منتج هذه الأجهزة (تأمين المسؤولية
عن المنتجات) إذ أن السيارة ستصبح ليس فقط ذاتية القيادة بل مرتبطة connected بجهاز تحكم ينهي دور السائق التقليدي في الإشراف والسيطرة على
السيارة. فالسيارة تقوم باتخاذ قرار تخطيط التحرك من نقطة (أ) للوصول إلى
نقطة أخرى (ب) مستخدمة جهاز الكومبيوتر داخل السيارة والمرتبط بالإنترنيت،
والمرتبط أيضاً بالسيارات الأخرى.
وهكذا، حينما تصبح السيارات مرتبطة
على نحو متزايد بالسيارات الأخرى، وعندما تتحول مدخلات التحكم من الإنسان إلى
الكومبيوتر، فإن معظم حالات المسؤولية عن الحوادث ستنتقل أيضاً إلى الشركة المنتج
لآليات التحكم.
- مزيج
المنتجات التأمينية
من المؤكد أن السيارات بدون سائق
ستعمل على الحد بشكل كبير من عدد الحوادث على الطرق، وتعمل شركات التأمين الكبرى
على العمل مع الشركات المصنعة لهذه السيارات والهيئات التنظيمية والقانونية لتسهيل
الاعتماد الواسع النطاق لهذه السيارات التي ستغير من نمط الحياة مثلما تحمي
الإنسان من التعرض للأضرار والوفاة من حوادث السيارات.
قبل التحول إلى الاعتماد على السيارات ذاتية القيادة (تعمل
بعقل اصطناعي) ستكون هناك مرحلة انتقالية تجمع بين الاستمرار في استخدام السيارات
التقليدية المسيّرة من قبل الإنسان والسيارات المزودة بالبرمجيات التي توفر فرصة
التحكم بالقيادة وقت الحاجة قبل التحول إلى السيارات ذاتية القيادة التي تعمل
بالعقل الاصطناعي.
هذا المزيج من شأنه أن يغير من مزيج
المنتجات التأمينية، والعملية الاكتتابية، والتسعير. هذا وغيره يتطلب إعادة
تدريب مكتتبي التأمين ومسوّي الخسائر لاكتساب المعرفة المناسبة للتعامل مع تعقيدات
النمط الجديد من النقل، مثلما يتطلب التعامل مع منافسين من خارج قطاع التأمين.
- ما
الذي يحمله المستقبل لصناعة التأمين على السيارات ذاتية القيادة؟
إن سرعة التطور في استخدامات العقل الاصطناعي هائلة، ولذلك من
الممكن أن نرى التحول سريعاً صوب السيارات ذاتية القيادة المستقلة تماماً عن تدخل
الإنسان. ومن المحتمل أن يتم نقل المخاطر من السائق إلى الشركة المصنعة
للسيارات ذلك لأن أي حوادث لهذه السيارات أو ناشئة عنها ستكون بسبب مشكلة في البرمجيات
المتحكمة باستخدام السيارات، وهذه يمكن تغطيتها بموجب نموذج مطور من وثيقة
المسؤولية عن المنتج.
من النتائج المترتبة على هذا التطور
في تأمين السيارات خطر تراكم كبير في مطالبات التعويض عند فشل البرمجيات في أعداد
كبيرة من السيارات، أو في حالة اختراق سيبراني لعدد كبير من السيارات في وقت واحد،
مما يؤدي إلى مطالبة كبيرة ناتجة عن حدث واحد. وهذه تستدعي القيام بدراسات
تحليلية جديدة.
وثمة مسألة أخرى هي أن وثائق التأمين
على المسؤولية عن المنتجات لا تفي بالغرض في الوقت الراهن. لذلك، فإن شركات
التأمين ستحتاج إلى إعادة صياغة وثيقة تأمين المسؤولية عن المُنتج أو تصميم وثيقة
جديدة.
ويجري الحديث في بريطانيا عن خطط
للمضي قدماً في مقترحات لتطوير نموذج واحد لتأمين السيارات المستقلة التي تعتمد
على البرمجيات والعقل الاصطناعي يغطي كلاً من السائق والسيارة عندما تكون السيارة
مستقلة تماماً.
وهناك توافق متزايد في الآراء على توقع حدوث انكماش في طلب
التأمين على السيارات في المستقبل حتى مع انخفاض الأقساط وانخفاض معدل تكرار
الحوادث. ومع ذلك، فإن السيارات ذاتية القيادة تحتاج إلى تأمين، مما يفرِض
على شركات التأمين تطوير منتجاتها التأمينية للحوادث العرضية التي تنشأ من استخدام
أجهزة النقل الآلية بدلاً من التفرج على انتقال التأمين إلى الشركات المصنعة
(منافسين من خارج قطاع التأمين). وهذ الانتقال قد يتحقق فقد جاء في الأخبار
أن شركة تيسلا ترغب في عرض سعر واحد للسيارة والصيانة والتأمين.[2]
ومن المرجح أن تنشأ منافسة قوية في
هذا المجال مثلما قد تنشأ الفرص لتعاون الشركات المصنعة للسيارات مع شركات التأمين
بفضل المعرفة والخبرة العميقة المتراكمة لدى شركات التأمين.
- استجابة
التأمين للتحولات
لقد خلقت الثورة الصناعية في الماضي مصادر جديدة ومتنوعة
للأخطار، أبرزها تلك التي تؤدي إلى الحريق والانفجار والعطب الميكانيكي وكذلك
الكهربائي. وقد استجابت صناعة التأمين لها بالتعويض عن الخسائر المادية
لضمان ديمومة إنتاج الشركات. وقد واكب التأمين التطورات اللاحقة في الفكر
الاجتماعي والاشتراكي منه بنوع خاص في إدخال أشكال من الضمان الاجتماعي، والتأمين
على إصابات العمال، وما يلحق بالأطراف الثالثة من أضرار بدنية ومادية، مثلما
استجاب للتأمين على إدخال السيارة في الطرقات العامة (أول وثيقة تأمين على
السيارات صدرت في سوق تأمين لويدز في لندن سنة 1904)[3].
وتطور التأمين مع تطور الوعي بالحقوق،
على مستوى الأفراد والشركات، وتطور الصناعات الحديثة، ومنها تأمين الأقمار
الصناعية وأجهزة الكومبيوتر وما أرتبط بالفضاء السيبراني. وسوف تستجيب صناعة
التأمين لما تجلبه معها أجهزة النقل الآلية من أخطار منظورة وأخرى غير منظورة
تنكشف مع مرور الزمن.
لن يكون قطاع التأمين العراقي بعيداً
عن هذه التحولات، سواء من حيث إدخال أجهزة النقل الآلية أو شروط التأمين عليها
فالتاريخ يشهد بأنه اقتبس منتجات التأمين من مصادرها في الغرب وطوّع بعضها لتتلائم
مع الشرط العراقي.
21 كانون الثاني 2018
[1] محمد عارف، “عقل أمريكا والصين،”
جريدة الاتحاد الإماراتية:http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=97251
للتعريف بشركة تيسلا، شركة أمريكية،
أنظر ويكيبيديا:
Lloyd’s, Autonomous
Vehicles: Handing Over Control: Opportunities and Risks
For Insurance (London, 2014).
نشرت المقالة في شبكة الإقتصاديين العراقيين
تعليقات
إرسال تعليق