رؤية مؤسسة النقد للتأمين 2022 .. هل هي وفق الأولويات؟ د. عبد الوهاب بن عبد الله الخميس
مؤسسة النقد من المؤسسات الحكومية التي هي مصدر فخر لنا خصوصا
في إدارتها للجوانب المصرفية والمالية عموما. لكن لا أعلم لماذا لم يواكب قطاع
التأمين تطورات المؤسسة وظل دون مستوى حجم السوق أو تطلعات المواطن. القيمة
السوقية للتأمين تجاوزت 36 مليار ريال ومع ذلك ما زلنا في مرحلة التأسيس على الرغم
من مرور أكثر من عقد من الزمن على صدور المرسوم الملكي رقم م/32 وتاريخ 1424/6/2هـ
واللائحة تنفيذية رقم 1/596 وتاريخ 1425/3/1هـ. وكمثال سريع تأخرت المؤسسة كثيرا
في إلزام شركات التأمين بتقديم خصومات لصاحب السجلات الخالية من المطالبات عند
تسعيرها لوثائق تأمين المركبات وإن كانت قد أقرته أخيرا.
لكن تبعات هذا التأخير
تسببت في عديد من السلبيات التي قد يكون من الصعب تجاوزها بسهولة. فمثلا هذا
التأخر أفسد سمعة القطاع بشكل كبير وخصوصا أن وثائق التأمين ارتفعت بصورة فلكية
خلال السنوات العشر الماضية دون مبررات مقنعة ودون تمييز بين من يلتزم بقواعد
السلامة ومن لا يلتزم بها. كما أن هذا التأخير أدى إلى إحجام بعض الناس عن تأمين
المركبات بسبب أن ما يدفعونه نظير الحصول على الخدمة سوف تتضاعف قيمته بغض النظر
عن السجل التأميني للمؤمن. فالرسالة السلبية التي وصلت للناس أن التأمين يزيد من
تهور الناس ولا يساعد على السلامة لأنه مجرد جباية ولا يحقق لمتبعي قواعد السلامة
قيمة مضافة حقيقية. مؤسسة النقد كان بإمكانها إقرار نظام الربط بين السجل الخالي
من المطالبات المالية وتقديم الخصومات منذ إلزامية التأمين على المركبات لأن هذه
السياسة ليست حديثة ومطبقة لدى عديد من الدول منذ فترة طويلة جدا. ولا توجد مبررات
واضحة تدعم هذا التأثير بل العكس تسبب هذا التأخير في عديد من السلبيات منها
ارتفاع تأمين السيارة على الناس بصورة كبيرة وسريعة. في اعتقادي أن قطاع التأمين
يحتاج قبل البدء بالـ 38 مبادرة التي أعلن عنها محافظ مؤسسة النقد في ندوة التأمين
الصحي الرابعة لتحقيق رؤية التأمين 2022، إلى إعطاء أولويات حيوية تؤثر بشكل مباشر
في صناعة التأمين. هذه الأولويات متعددة ولعلي في هذا المقال أعرج إلى الحديث عن
إحداها. فأحد أهم مناحي مشكلة قطاع التأمين يتعلق بضعف الملاءة المالية لبعض شركات
التأمين. هذا الضعف كان جليا خلال الفترة الماضية ما تسبب في مشاكل في قطاع
التأمين لا حصر لها. أتفهم وجود مبررات منطقية لمحدودية رأس المال اللازم لتأسيس
شركة تأمين أو إعادة تأمين المقدر بـ 100 مليون ريال و200 مليون ريال لشركة إعادة
التأمين قبل قرابة 14 عاما لأنها كانت مرحلة تأسيسية لقطاع التأمين. لكن أعتقد أن
مرحلة تأسيس وتشجيع الدخول في صناعة التأمين قد تجاوزناها خصوصا أن حجم السوق في
ارتفاع متواصل. لذا فنحن بحاجة إلى الانتقال لمرحلة التطوير وضبط جودة القطاع
التأميني. فمن المفترض أن يكون قطاع التأمين قد وصل إلى مرحلة الشباب بعد أن تجاوز
مرحلة الطفولة والولادة. لكن مع الأسف كثيرا ما نسمع عبر وسائل الإعلام مصطلح
"دكاكين شركات التأمين" بسبب كثرة تجاوزات شركات التأمين والقضايا
المرفوعة ضدها. فمثلا أعلى نسبة شكاوى تلقاها مجلس الضمان الصحي حسب تقاريره
العشرة الأخيرة الماضية كانت شركات التأمين على قمة قائمة الجهات التي قدمت ضدها
شكاوى وإن كان التأمين الصحي ليس من مهام مؤسسة النقد وهي مشكلة أخرى لعلي أقف
عندها لاحقا. أولوية المرحلة القادمة يفترض أن تكون إعادة النظر في شروط إصدار
التراخيص الخاصة بطلب تأسيس شركات التأمين لأن مجمل الأسباب التي تعانيها شركات
التأمين مرتبطة بملاءتها المالية. فضعف الملاءة المالية أدى إلى ضعف الاستثمار في
الموارد البشرية المؤهلة ومن ثم تقديم منتجات تأمينية مميزة. رأس المال المطلوب
لتأسيس شركة تأمين في حاجة إلى مراجعة. ودول كثير عززت من قطاع التأمين ورفع جودته
عبر زيادة رأس المال المطلوب كأحد أهم شروط إعطاء تراخيص مزاولة نشاط التأمين.
وهناك عديد من الدراسات العلمية التي تدعم سياسة رفع رأس المال كإحدى أهم وسائل
ضبط جودة قطاع التأمين. سياسة أخرى يجب أن تعطى أولوية وهي سياسة تشجيع ودعم
الاستثمار الأجنبي في قطاع التأمين خصوصا أن شركات إعادة التأمين، وهي المؤثر
القوي في القطاع، غير وطنية. فمثلا أعلى شركة من حيث القيمة السوقية في سوق
التأمين الصحي هي في أساسها شركة تأمين غير وطنية. ولا شك أن دخول شركات تأمين
عملاقة ولديها خبرة طويلة في صناعة التأمين سيسهم في رفع جودة القطاع وسيسهم في
توطين صناعة التأمين من خبراء في صناعة التأمين. شركات التأمين العالمية لديها
بنية تحتية قوية تسهل عليها سرعة بناء السياسات والأنظمة والبنية الإدارية والفنية
والتنظيمية لها. فالسماح لشركات التأمين الأجنبية ـــ وفق شروط ـــ بالدخول مباشرة
في السوق ودون وسيط سيرفع جودة القطاع وسيسهم في إيجاد بيئة تأمينية تنافسية. كما
أن شركات التأمين العالمية لديها خبرة طويلة تمكنها من المساهمة في توطين الوظائف
التأمينية إذا كان توطين القطاع من ضمن الشروط المفروضة عليها لمزاولة نشاط
التأمين. كما أن دعم الاستثمار الأجنبي جزء من "رؤية المملكة 2030"
خصوصا إذا أسهم هذا الاستثمار في تقديم قيمة مضافة للسوق السعودية. ففتح الاستثمار
في التأمين سيعزز من رصانة السوق التأمينية ويعزز من جودتها. هذا الإجراء سيسهل
تدريب الكوادر الوطنية لدى جهات لديها خبرة طويلة في المجال بدلا من أن تتلقى
التدريب من قبل جهات محدودة الخبرة والمعرفة. وللحديث بقية.
صحيفة الإقتصادية
تعليقات
إرسال تعليق