التأمين : المدلول الإقتصادي ( 2 من 2) - بقلم / علي بن طلال الجهني
تحدثنا
في الأسبوع الماضي عن الأساس الذي يقوم عليه التأمين، في محاولة للإجابة عن
استفسار صاحبنا الصبي ذي الـ15 سنة، الذي تعجب كيف تستطيع شركات التأمين أن تعوض
أحد عملائها بعشرات الآلاف، إن لم يكن المئات في أحوال نادرة، بينما لم يدفع لها
عميلها أكثر من ألف ريال؟
والجواب المباشر أن أي شركة من شركات
التأمين تعوض عميلها بآلاف كثيرة بأخذها مما دفعه المؤمنون عليهم الآخرون الذين
دفع كل منهم مبلغاً صغيراً نسبياً ولم يتعرضوا لحوادث.
المدلول الاقتصادي للتأمين:
أثبتت التجربة الميدانية أننا نستطيع
تقدير حوادث السيارات ونستطيع تقدير عدد ضحاياها، ونستطيع أيضاً تقدير عدد الناس
الذين يموتون في كل عام لأي سبب من الأسباب ونستطيع تقدير كل هذه الأشياء من دون
أن ندعي معرفة الغيب، لأنها كلها تتبع قوانين رياضية معروفة وتحكمها حكمة إلهية لا
تتغير.
ما يدعو إلى وجود التأمين، هو أن الخسائر
المادية التي تسببها الحوادث، قد تكون من الضخامة بحيث لا يستطيع كل فرد من أفراد
المجتمع بمفرده تحملها، في حين يسهل على كل فرد دفع مبلغ صغير يخسره كله في حال
عدم تعرضه للحوادث، ويحصل على أكثر منه بكثير لو قدر الله عليه أن يكون طرفاً في
حادثة من الحوادث.
وللإيضاح دعنا نفرض: لو أننا قدرنا عدد
الحوادث التي تحدث في منطقة من المناطق، ووجدنا أن مجموعة التكاليف المادية لهذه
الحوادث هي 80 مليون ريال سنوياً، ثم علمنا أننا نحتاج إلى 10 ملايين ريال للإنفاق
على إدارة الشركة التي تباشر التأمين، إضافة إلى هذا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى
توزيع 10 ملايين على المساهمين في هذه الشركة الذين سيدفعون الـ90 مليوناً، وهي
التي نحتاج إليها لتعويض المتضررين من الحوادث، إذ أصبح مجموع ما نحتاج إليه من
أموال لإنشاء شركة التأمين هو 100 مليون ريال في السنة فكيف نستطيع في هذه الحال
تقدير المبلغ الذي يجب أن يدفعه كل شخص إذا أراد أن يشتري هذا التأمين المذكور؟
المبدأ بسيط جداً: نُقدر عدد الذين
نرجح أنهم سيشترون التأمين ولنقل أنهم 100 ألف شخص، وبعد أن نعرف أن مجموع تكاليف
إنشاء شركة التأمين بما في ذلك أرباح المساهمين، وهي 100 مليون، نقسم هذا المبلغ
على 100 ألف شخص، وستجد أن كل شخص عليه أن يدفع ألف ريال في السنة.
وماذا لو أخطأنا في التقدير واشترى
التأمين أكثر من 100 ألف، ودفع كل منهم ألف ريال؟ حينئذ يربح المساهمون في شركة
التأمين أكثر مما دفعوا.
وماذا لو أخطأنا في التقدير وزاد عدد
الحوادث عما توقعنا، فوصلت كلفتها إلى أكثر من 100 مليون ريال؟
الذي يحصل في هذه الحال أن المساهمين
سيخسرون شيئاً من العائد الذي توقعوه أو حتى شيئاً من رأسمالهم.
وهل حصل فعلاً أن شركات التأمين خسرت
في أي عام من الأعوام؟
بكل تأكيد. والأرقام والسجلات التجارية
تثبت ذلك. فلا تختلف شركات التأمين من حيث الربح أو الخسارة عن بقية الشركات في
القطاعات التجارية الأخرى.
والمبدأ نفسه الذي يحكم التأمين على
الخسائر المادية يحكم التأمين على أضرار الأمراض والحرائق وحتى الوفيات المفاجئة
وغير المفاجئة. وشركات التأمين، بجميع أنواعها، تقدر نفقاتها، وتقدر دخلها، وتخطئ
أحياناً، وتصيب أحياناً أخرى، ونتيجة لذلك تربح أحياناً وتخسر في أحيان أخرى.
وملخص الموضوع، يخضع تقدير كلفة وأرباح
شركات التأمين لمبدأ علمي ينطلق من علوم الإحصاء الرياضي. ولا علاقة للأمر بمعرفة
أو حتى محاولة معرفة الغيب. وحينما يحصل من اشترى «بوليصة» التأمين على مبلغ كبير
مع أنه لم يدفع لبوليصة التأمين الكثير، فما ذلك إلا نتيجة لما جمعته شركات
التأمين من الآلاف التي دفعها الآخرون ولم تحصل لهم حوادث أو أمراض ولذلك لم
يحصلوا على قرش واحد مما دفعوا.
علي بن طلال الجهني
أكاديمي سعودي
الحياة السعودية
تعليقات
إرسال تعليق