مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية وغياب التأمين في التشكيلات الإدارية للشركة - بقلم / مصباح كمال
نشر
الأستاذ أحمد موسى جياد مقالة نقدية مهمة باللغة الإنجليزية حول مشروع قانون شركة
النفط الوطنية العراقية تضمنت آراء سديدة، ولخص موقفه بالقول:
باختصار،
في رأيي المتواضع فإن هناك العديد من المشاكل الخطيرة للغاية، والعيوب والتضارب في
القانون، يمكن أن تولد الكثير من التداعيات السلبية والتي يمكن أن تعمل على تفكيك
قطاع الإنتاج النفطي في المنبع وتؤثر على اقتصاد العراق.[1]
خلت
شبكة الاقتصاديين العراقيين من أي دراسة عن مشروع هذا القانون، وآمل أن يقوم
المختصون بتقديم آرائهم بشأنه لأنه يمس قضية وطنية اقتصادية أساسية يؤثر على
مستقبل القطاع النفطي ويمتد بآثاره على مجمل الاقتصاد العراقي. لا
أمتلك الأدوات الكافية للمساهمة في النقد، وأكتفي بالإشارة إلى خلو مشروع القانون
من ذكر التأمين بعد أن حصلت على نسخة منه.
الفصل
الثامن من مشروع القانون مُكرّس للهيكل التنظيمي ومجلس إدارة الشركة، ويرد في
المادة (37) منه أن التشكيلات المرتبطة بمركز الشركة هي: مكتب رئاسة الشركة، قسم
المساهمين، قسم المصادر البشرية والتدريب، قسم العقود، قسم الاستثمار، قسم
الاستكشاف، قسم الدراسات والتخطيط، قسم الشركات العراقية وغير العراقية، قسم
المحاسبة والميزانية، قسم المالية، قسم الإدارة والمصادر البشرية، قسم التدقيق،
قسم العلاقات العامة.
وهكذا
فإن الهيكل التنظيمي لا يضم قسماً متخصصاً بإدارة الخطر والتأمين. ترى
هل أن غياب مثل هذا القسم جاء سهواً من قبل من عملوا لفترة طويلة على وضع مشروع
القانون واستأنسوا بالآراء داخل وخارج العراق؟ لا أعتقد ذلك لأن مكانة
التأمين في التفكير الحكومي وغير الحكومي لا تلقى اهتماماً حقيقياً، وحتى عندما
يرد بعض الاهتمام فإنه يأتي متأخراً وضعيفاً ويفتقر إلى آليات التفعيل والمتابعة.[2] ولذلك فقد جاء هذا الفصل خالياً
من ذكر التأمين. وربما يترك أمر الاهتمام به لدى موظف في قسم العقود أو
قسم المالية.
من
الواضح أن إعادة تأسيس شركة النفط الوطنية سيخلق أكبر شركة في العراق من حيث حجم
رأس المال، والأصول المادية التي تمتلكها، والشركات التابعة لها، ومكانتها
الدولية، وعدد العاملين فيها وغيرها من معايير التقييم. ومع ذلك فإن
الدور الإنتاجي للتأمين من خلال التعويض عن الأضرار والخسائر التي قد تلحق بالأصول
المادية لهذه الشركة والمسؤوليات التعاقدية والقانونية الناشئة عن هذه الأصول
والعمليات الإنتاجية والخدمية كان غائباً عن التفكير الرسمي لواضعي مشروع القانون،
دونكم الاهتمام العام، من موقف وطني، بالدور الاستثماري لقطاع التأمين من خلال
تجميع أقساط التأمين وتحويل أجزاء منها إلى استثمارات عينية ومالية.
نعرف
بأن وزارة النفط والشركات التابعة لها لا تضم قسماً مختصاً بالتأمين. ولذلك
نستطيع القول بأن غياب التأمين في مشروع القانون ليس مستغرباً. وبهذا الشأن
ذكرت التالي في دراسة سابقة:
غياب
قسم متخصص للتأمين وإدارة الخطر insurance and risk management department يعكس خللاً في تصور الأخطار الاحتمالية،
الطبيعية والبشرية، التي قد تتعرض لها المنشآت النفطية. قطاع النفط
العراقي الوطني متخلف، من هذه الناحية، مع ما يماثله في البلدان المتقدمة وبعض
البلدان العربية المنتجة للنفط. والبون شاسع، تأمينياً، بين العراق
وهذه البلدان. وحسب علمنا، ليس هناك حالياً خطط لتأسيس مثل هذا القسم
المتخصص، ولم يطرح الموضوع للنقاش داخل الوزارة أو خارجها، ولم تتقدم شركة/شركات
التأمين العراقية المؤمنة على بعض منشآت الوزارة باقتراح لتأسيس مثل هذا القسم
المتخصص.[3]
وقد
ذكرت أيضاً بأن
وزارة
النفط لا تمتلك برنامجاً تأمينياً موحداً وشاملاً لجميع الشركات والمنشآت التابعة
لها، وليس لها تصوراً مدروساً لما يجب أن يكون عليه نظام الحماية التأمينية.[4] وهذا الوضع يعكس عدم وجود قسم
متخصص للتأمين وإدارة الخطر في الوزارة يتولى صياغة وإدارة برنامج التأمين. والوضع
نفسه موجود في الكيانات التابعة للوزارة إذ أن الوظيفية التأمينية تناط مرة بقسم
المحاسبة وأخرى بالدائرة القانونية أو مكتب المدير العام وهكذا.
لم
تفكر الوزارة، مثلاً، بالتأمين الذاتي self-insurance أو التأمين من خلال تأسيس شركة تأمين
مقبوضةcaptive insurance
company ، وهي آليات للتعامل مع الأخطار معتمدة من قبل شركات النفط
العالمية وغيرها. وليس معروفاً إن كانت كلفة شراء الحماية التأمينية
موضوعاً للمناقشة عند وضع موازنة الوزارة أو الكيانات التابعة لها وهي تضم شركات
نبعية upstream (تعمل
في المنبع)، وشركات حدرية downstream (تعمل في المصب)، وشركات تعمل ما بين
المنبع والمصب وتضم في الوقت الحاضر، حسب الموقع الإلكتروني للوزارة.
وهكذا
يرتبط غياب التأمين في الهيكل التنظيمي في مشروع القانون مع غياب التخطيط لوضع
برنامج تأميني يقوم على اعتماد أدوات إدارة الخطر: تشخيص الأخطار التي تتعرض لها
الشركة ومنشآتها وتهدد هذه الأصول وإيراداتها، وقياس احتمالات وقوع الأخطار وحجم
الأضرار التي قد يترتب عليها، والسيطرة على هذه الأخطار باعتماد الوسائل الهندسية
وغيرها للحيلولة دون وقوعها، وحساب كلفة وقوع هذه الأخطار ومدى كفاية الموارد
المالية الداخلية لتمويلها، قبل الإقدام على ما يسمى بعبء تحويل تكاليف الخطر إلى
شركة التأمين. إن من مزايا البرنامج الموحد الاستفادة من وفورات الحجم
للحصول على أفضل الشروط والأسعار من شركات التأمين العراقية ومن خلالها من شركات
إعادة التأمين العالمية.
أملي
أن يتصدى أركان التأمين في العراق لموضوع غياب التأمين في مشروع قانون شركة النفط
الوطنية العراقية، والعمل من خلال جمعية التأمين العراقية للضغط باتجاه الاهتمام
بموقع التأمين في هذا المشروع. وبذلك يمكن تحقيق نوع من الارتباطات
الخلفية backward
linkages تساهم في دعم صناعة التأمين العراقية،
وتحفز على رفع مستوى شركات التأمين من حيث نوعية المنتج التأميني
والخدمات المرتبطة به، مثلما تعمل على تحقيق نوع من التكامل بين قطاعات الاقتصاد
الوطني.
19
آذار 2016
[2] مصباح كمال، التأمين في التفكير
الحكومي وغير الحكومي، 2003-2015 (مكتبة التأمين العراقي، 2015). الكتاب
متوفر إلكترونياً في المكتبة الاقتصادية لشبكة الاقتصاديين العراقيين.
[3] مصباح كمال، وزارة النفط والتأمين:
ملاحظات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، 2014)، ص 15. جزء من
الكتاب متوفر في المكتبة الاقتصادية لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يمكنني
توفير نسخة بصيغة بي دي إف لم يرغب بالحصول عليه.
[4] ونزعم أيضاً أن الوزارة والكيانات التابعة
لها تفتقر إلى سياسة موحدة واضحة في صياغة العقود التي تبرمها مع الشركات العالمية
لتنفيذ المشاريع النفطية على أنواعها.
بعض هذه العقود تنص على
قيام الشركة الأجنبية/المقاول بالتأمين لدى شركة تأمين عراقية مجازة بموجب
القانون، لكن هناك عقود أخرى ساكتة عن هذا الموضوع إذ لا تذكر مع من تقوم الشركة
الأجنبية بالتأمين.
كما أن هناك عقود تنص
صراحة على حرية الشركة الأجنبية في شراء التأمين من المصدر الذي ترغب به. محصلة
هذا الوضع هي تجاهل شركات التأمين العراقية من قبل وزارة النفط، مثلما تتجاهل
مؤسسات الدولة العراقية الأخرى والأمم المتحدة والشركات الأجنبية لشركات التأمين
العراقية. ومن المحزن أن وزارة النفط لم تقم، حسب المعلومات المتوفرة
لدينا، بتبني نموذج موحد لشروط التأمين والتعويض في عقود الإنشاء، يساهم في تغذية
شركات التأمين العراقية بحصة مناسبة من أقساط تأمين هذه العقود. وبهذا
الخصوص، كنا قد أثرنا في دراسة سابقة لنا هذا السؤال الخطابي الذي لا يزال يحتفظ
براهنيته: "كيف يمكن لصناعة التأمين العراقية أن تتطور وتستجيب لمتطلبات
الاقتصاد العراقي، الآن ومستقبلاً، إن كانت النية معقودة على تجاهلها الفض من قبل
أجهزة الدولة والشركات الأجنبية العاملة في العراق؟ أليس هذا تفريطاً
بدور المؤسسات الاقتصادية العراقية؟" مصباح كمال، "تجاهل شركات
التأمين العراقية: ملاحظة حول بعض آثاره السلبية"
في مجلة البيان الاقتصادية، بيروت، العدد 412، آذار 2006. وستكون
هذه الدراسة فصلاً من كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم
ودراسات نقدية التي ستقوم شركة التأمين الوطنية، بغداد، بنشرها خلال
2014.
تعليقات
إرسال تعليق