قطاع التأمين السوري.. دور غائب في التنمية الاقتصادية - بقلم علاء أوسي
شهدت السنوات الأخيرة نشاطاً كبيراً في
المجال التأميني، إذ انتشرت شركات التأمين وازداد أعداد فروعها ومكاتبها في المدن
والمحافظات السورية، وذلك بعد المرسوم التشريعي رقم 43 لعام 2005 الناظم لعمل سوق
التأمين في سورية، ونشأت هذه الشركات برساميل كبيرة جداً تعادل أضعاف مثيلاتها في
الدول المجاورة.
ويعدُّ قطاع
التأمين بوحداته الإنتاجية المختلفة (شركات تأمين، صندوق التقاعد المدني، هيئات
التأمين الاجتماعي) من أهمِّ قطاع الخدمات في العالم، ويواكب مجمل الأنشطة
الاقتصادية الأخرى، ويسهم في دعمها والمحافظة على استقرارها. وله دور هام في عملية
التنمية، ويشكل عنصر قوة للاقتصاد الوطني إذا ما استفيد منه على النحو المناسب
الذي يسهم في استقرار الاقتصاد ونموه. إذ تعبّأ المدخرات المحلية واستثمارها
للمساهمة في دفع جهود التنمية، بما ينعكس على زيادة معدلات نمو الاقتصاد المحلي
وتوفير الوظائف وفرص العمل. إضافة إلى دوره في إعادة توزيع الدخل بين منتج خدمات
التأمين والمستهلك لها، وأيضاً رفع المستوى الصحي أو تنفيذ سياسة التدريب والتأهيل
المهني المطلوب للمساعدة المادية على الحركة المهنية، ويعمل التأمين على خفض نسبة
التضخم من خلال مساهمته في امتصاص جزء من الأموال الزائدة بطريقة غير مباشرة من
خلال أقساط التأمين وتجميعها لدى شركات التأمين التي تقوم باستثمار هذه الأموال في
المشاريع المختلفة.
ولكن بعد
الترخيص لأربع عشرة شركة تأمين في سورية، ماذا قدمت هذه الشركات للمواطن السوري؟
وما هي مساهمتها في الناتج المحلي؟
أهداف ولكن!
فبعد عقد من
السياسات التي اتبعها الفريق الاقتصادي وسعى بها إلى تحرير السوق بسياساته
النيوليبرالية التي أفقرت جزءاً كبيراً من الشعب السوري، وعززت التفاوت الطبقي
بتركيز الثروة -التي تعد ضرورية لتوسيع قاعدة الاستثمار وتطوير القاعدة الإنتاجية
وتحديثها- في أيدي مجموعة قليلة. ففي مجال التأمين أصدر العديد من القوانين
والمراسيم التي تدعم هذا القطاع، لكنها لم تتمكن من تحقيق المرجو منها في التنمية
الاقتصادية والاجتماعية. فقد حقّق قطاع التأمين السّوري في نهاية عام 2010 ما
يقارب (19 مليار ليرة سوريّة)، وبمعدّل نمو 55,31% عن عام 2009 الذي شهد تضاعفاً
في حجم الأقساط بمعدّل ثلاث مرّات عن عام ،2006 وتصدّر التأمين الإلزامي (سيّارات)
النموّ في ذلك العام (نحو 35% من حجم السّوق)، يليه التأمين الصّحي نحو 19%،
والحريق 12%، والنّقل 6%، والحوادث 5,1%، والحياة 4,1%.
وعلى الرغم من
هذا الانتعاش إلا أن التأمين لم يتجاوز (1%) من مجمل النّاتج المحلّي الإجمالي،
وهذا يدلّ على أنّ سوق التأمين السورية بشركاته مجتمعة مازال لا يلبي طموحات
التنمية الاقتصادية، ولم يقدم تغطيات تأمينية متميزة لكل المشروعات الكبرى في
سورية، بسبب ضعف الوعي التأميني لدى المنتجين.
ويعد تعويض
المؤمن له عن الخسائر التي تلحق به، وهو الهدف المباشر لشركات التأمين هذه الشركات
دوراً آخر بطريقة غير مباشرة، وهو الوقاية من المخاطر والعمل على تقليل نسبة وقوع
الحوادث عن طريق تلافي أسبابها، والعمل على تجنب وقوعها. فصار التأمين عاملاً من
عوامل الوقاية في المجتمع.
ومن ناحية
أخرى يوفر التأمين الحماية اللازمة للصناعات الوطنية، وخاصة منها الصناعات
الاستراتيجية على النحو الذي يضمن استمرار العملية الإنتاجية دون توقف، الأمر الذي
ينعكس على العديد من الأنشطة الاقتصادية، ناهيك بالأثر الإيجابي للتأمينات ذات
الطابع الاجتماعي على استقرار العاملين في جميع المجالات، وعلى الأخص الصناعي.
وإذا تحدثنا عن التنمية الاجتماعية ذات البعد الاقتصادي أو الإنساني، فإن للتأمين
دوراً أساسياً في ذلك، وخير مثال على ذلك: التأمين الصحي والدور الكبير الذي يلعبه
في الرعاية الصحية للمستفيدين منه. فبات دور شركة التأمين هاماً جداً وأمسى ضرورة
ملحة لإدراجه في السياسات التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن يجب ألا
نغض الطرف عن أن نمو سوق التأمين السوري لا يعني التغاضي عن المشكلات التي تعاني
منها شركات التأمين، ومنها مشكلة الكوادر المدربة والمهيأة في مجال التأمين. فيجب
إيجاد الاختصاصات الجامعية التي تلبي حاجة سوق العمل في مجال التأمين، فليس لدينا
معاهد أو جامعات تؤهل كوادر ترفد هذا المجال. ومن ناحية أخرى يجب أن تتضافر الجهود
من أجل زيادة الوعي التأميني للمواطنين، وتعريف أفراد المجتمع بالخدمات العديدة
التي تقدمها هذه الشركات. فالوعي التأميني لدى المواطن السوري مازال في بداياته،
وتحسينه مرتبط بالإعلام ودور شركات التأمين والمواطن ذاته.
التأمين في ظل الأزمة
بعد بدء
الأزمة التي تشهدها الساحة السورية منذ أكثر من عام ونصف، والتي أَرْخت بثقلها على
مختلف القطاعات والمؤسّسات، إنتاجيّة كانت أم خدميّة، فلاشك أن التأمين هو أحد
القطاعات التي تأثرت أسوة بالقطاعات الأخرى. وطال التراجع بالدرجة الأولى محفظة
السيارات بشقيها الإلزامي والشامل، وتراجع التأمين الهندسي نتيجة انحسار حركة
البناء. ثم تأتي محفظة المسؤوليات المدنية والمهنية، وتليها محفظة تأمين السفر،
وتشير الأرقام التي أصدرتها هيئة الإشراف على التأمين خلال النصف الأول من العام
الماضي إلى أن التأمين على الحياة والتأمين ضد الحوادث العامة ارتفع في سورية
بأكبر نسبة عن الأعوام الفائتة. كما نما التأمين على الحياة نحو 20% عن العام
الفائت، ونمت تأمينات الحوادث بنحو 43%، في حين انخفض تأمين المسؤوليات. ونما
تأمين السفر بنسبة 5% وبلغت أقساط التأمين خلال الفترة المذكورة 350,10 مليارات
ليرة سورية، بينما كانت للفترة نفسها من عام 2010- 765,9 مليارات ليرة سورية.
وحققت الشركات ارتفاعاً في الأقساط وصل إلى 6% رغم التغير الناتج في الربع الثاني.
وحقق التأمين
الصحي النسبة الأكبر في السوق، بأقساط بلغت 472,3 مليارات ليرة. ونما تأمين
المشاريع الهندسية 6%، كما نما تأمين الحريق 10%، وبلغت أقساط تأمين السيارات
الشامل ملياراً و430 مليون ليرة، وانخفضت أقساطه بنحو 18%. في حين سجل تأمين
السيارات الإلزامي انخفاضاً في الأقساط، على عكس التوقعات والمؤشرات وبلغ ملياري
ليرة و904 ملايين ليرة سورية.
وبعد..
وبانتظار أن
يكون لقطاع التأمين دور مهم في توفير المناخ الآمن والمستقر ليمارس رجال الأعمال
والعاملون دورهم في الإنتاج، من خلال تشجيعه على الاستثمار ودوره في تقليل الخسائر
المحتملة.
علاقة التأمين
بالتنمية في سورية بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتمحيص لدورها في رسم السياسات
الاقتصادية للدولة من ناحية، وسياسة التأمين من ناحية ثانية. من أجل الوصول إلى
الدور التنموي المباشر لنظام التأمين في التنمية الاقتصادية المتمثل في تراكم
الرأسمال والقدرة على توظيفه واستثماره. وطبيعة الحساسية الشديدة التي يتصف بها
قطاع التأمين إزاء المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي لها
آثار سلبية على النشاط التأميني وحجمه داخل البلد. فيجب إيجاد علاقة بين التنمية
والنظام التأميني المطبق ووضع استراتيجية تنموية تتصف بالاستمرارية والاستقرار،
وتتناسب مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتنسجم مع المتغيرات الحالية.
19.03.2015
تعليقات
إرسال تعليق