إدارة الكوارث : كارثة زلزال اليابان.. النتائج والتداعيات والدروس المستفادة - وحيد مفضل
تعلمنا
ذاكرة التاريخ والأحداث التاريخية السابقة، أنه ليس بمقدور أي قوة أو أمة على وجه
الأرض، مهما ذاعت أسباب قوتها أو علا شأنها وتقدمها العلمي، أن تكون بمنآى عن
مخاطر قوى الطبيعة أو عن غضبتها المفاجئة وهباتها العاتية. ولعل اختفاء القارة
المفقودة أطلانتيس بطريقة مفاجئة تحت مياه البحر الهادرة، وإبادة بركان فيزوف
لمدينة بومبي الرومانية الشهيرة قبل 2000 سنة، يقدمان أبلغ مثال على هذا.
لا يمكن أبدا استبعاد هذه المقدمة، عند
مراجعة المشاهد المؤلمة لزلزال سينداي الذي ضرب اليابان مؤخرا، وما تلاه من موجات
مد بحري عملاقة ودمار هائل لا نعتقد أن العين رأت له مثيلا.
فعلى الرغم مما تشتهر به اليابان
–الواقعة على حزام النار- من جاهزية دائمة للتعامل مع الكوارث الطبيعية عامة،
والزلازل والهزات الأرضية خاصة، ووجود خطط طوارئ جادة وحقيقية لمجابهة مثل هذه
الكوارث، وعلى الرغم من حرص أجهزة الدولة التنفيذية على تطبيق أعلى معدلات الأمان
والتزام الجميع بـ"أكواد" بناء محددة ومواصفات هندسية مقاومة للهزات
الأرضية الشديدة، فإن الزلزال الحادث -وتوابعه اللاحقة- كان أقوى وأعتى من كل هذه
الاستعدادات، وكان أكبر من أن تتحمله قدرات أي دولة، حتى لو كانت قوية أو فتية مثل
اليابان.
لكن هذا لا يعني على أي حال أن جاهزية
اليابان للكوارث الطبيعية وخبرتها في هذا المجال، لم يقللا من حجم الدمار الواقع،
بل على العكس، فقد ساهمت مثلا خطط الطوارئ الموضوعة في إجلاء أكثر من ربع مليون شخص
من المناطق المنكوبة خلال فترة وجيزة، كما أفاد نظام الإنذار المبكر الفعال في
تحذير السكان المحليين من خطر التسونامي قبل حدوثه بحوالي 30 دقيقة، وهو ما أسهم
في إنقاذ مزيد من الأرواح والممتلكات.
ولعل
مقارنة هذا مع ما خلفه مثلا زلزال هايتي في أوائل العام الماضي (زهاء 220 ألف
قتيل)، الأقل في الشدة بدرجتين، يدل على دور الاستعداد المسبق والجاهزية الدائمة
لمواجهة الكوارث والأزمات في التقليل من الخسائر الناتجة.
وعلى أي حال فإن الثابت -مهما اختلفت
الرؤى والتقديرات- هو أن نتائج وتداعيات هذه الكارثة لا تقتصر فقط على مشهد الدمار
الحادث أو على ما ترتب عليها من خسائر فادحة في الأرواح وفي الاقتصاد، بل تمتد
آثارها إلى جوانب أخرى كثيرة، مؤثرة وبالغة الأهمية، ونحسب أن هذا مما ينبغي
التوقف عنده، وإلقاء الضوء عليه هنا، لما في ذلك من فوائد كثيرة، ليس أقلها الوعي
بما يحدث حولنا، والاستفادة من عبر ما جرى في مواجهة المخاطر التي يمكن أن تهددنا
مستقبلا.
حقائق علمية أساسية
امتدادا لما سبق قوله آنفا، لابد أيضا من توضيح أن ما جرى لا يمكن أبدا وبأي حال اختزاله في مجرد حدوث هزة أرضية شديدة، صاحبتها توابع وارتدادات ولا غير، بل كان الأمر برمته أفدح وأكثر تشعبا من ذلك بكثير، وهذا مما يتوجب علينا إدراكه قبل الخوض في أي حديث، على الأقل لفهم أبعاد الكارثة الحادثة، وإمكان تقييم مجمل تداعياتها وتأثيراتها الحاضرة والمستقبلية. وفي هذا ينبغي توضيح الاعتبارات والحقائق العلمية المجردة التالية:
امتدادا لما سبق قوله آنفا، لابد أيضا من توضيح أن ما جرى لا يمكن أبدا وبأي حال اختزاله في مجرد حدوث هزة أرضية شديدة، صاحبتها توابع وارتدادات ولا غير، بل كان الأمر برمته أفدح وأكثر تشعبا من ذلك بكثير، وهذا مما يتوجب علينا إدراكه قبل الخوض في أي حديث، على الأقل لفهم أبعاد الكارثة الحادثة، وإمكان تقييم مجمل تداعياتها وتأثيراتها الحاضرة والمستقبلية. وفي هذا ينبغي توضيح الاعتبارات والحقائق العلمية المجردة التالية:
أننا في الواقع
إزاء ثلاث كوارث كبيرة ومتتابعة، كل منها أشد تدميرا وقسوة من الأخرى، وليس إزاء
كارثة واحدة أو اثنتين.
فالأمر بدأ بحدوث زلزال بحري كبير بشدة 9 درجات قرب سينداي
في شمال شرق اليابان، أفضى إلى تدمير عدد هائل من البنايات والمنشآت وسحق ما فيها
من أشخاص وممتلكات.
تبع ذلك تولد موجات مد بحري عالية وعاتية وحدوث تسونامي ساحق ماحق لكل ما هو كائن بالمناطق الساحلية المجاورة. تلا ذلك تعطل أكثر من مفاعل نووي بمحطة فوكوشيما داييتشي للطاقة عن العمل، مما نتج عنه حدوث تسرب إشعاعي إلى كل ما هو محيط.
تبع ذلك تولد موجات مد بحري عالية وعاتية وحدوث تسونامي ساحق ماحق لكل ما هو كائن بالمناطق الساحلية المجاورة. تلا ذلك تعطل أكثر من مفاعل نووي بمحطة فوكوشيما داييتشي للطاقة عن العمل، مما نتج عنه حدوث تسرب إشعاعي إلى كل ما هو محيط.
لم
يقتصر هول الكارثة الحادثة على ضرب المناطق الشمالية الشرقية من البلاد بزلزال
شديد البأس والقوة، ومن ثم بتسونامي ساحق، بل صاحب ذلك حدوث عدد كبير من التوابع
الزلزالية، ومعظمها يفوق في الشدة مثلا الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي أوائل العام
الماضي، والذي أدى إلى فناء عدد كبير جدا من الأرواح والمنشآت.
وهذا يعني مرة أخرى أننا أمام كارثة
مركبة وممتدة التأثير، وأن أحد أهم أسباب تفاقم نتائجها وتأزمها، يرجع إلى تتابع
الأحداث والصدمات الصعبة خلالها، وليس إلى تقاعس الأجهزة الحكومية في اليابان عن
أداء دورها أو القيام بواجباتها.
وعلى الرغم من شدة الزلزال الحادث وعده
أقوى سابع زلزال عبر التاريخ، فإن معظم ما شاهدناه من دمار وخراب، لا يعزى في
الواقع إلى شدة الزلزال ذاته أو لأثر الهزات المباشرة التالية له، بقدر ما يعزى
إلى قوة فعل موجات المد العاتية وأثرها التدميري الكبير، ذلك أن "أكواد"
البناء في اليابان والمنشآت العامة قد صممت على تحمل الزلازل الشديدة والهزات
الأرضية الكبيرة، لكنها لم تصمم على تحمل قوة الدفع الهائلة التي تسببها أمواج
التسونامي.
لا يعزى السبب الأساسي في حدوث كارثة
التسرب الإشعاعي من محطة فوكوشيما النووية، إلى تحطم منشآت المحطة بفعل الهزات
الزلزالية المباشرة، أو تهدمها بسبب هجمات أمواج المد العاتية، بل إلى سبب آخر غير
مباشر، يتمثل في انقطاع خطوط الكهرباء عن المولد الأساسي ثم الاحتياطي، مما تسبب
في إعطاب منظومة التبريد في أكثر من مفاعل بالمحطة، وهو ما أدى في النهاية إلى انفجار
الأوعية الحاوية لهذه المفاعلات، ومن ثم تسرب نسب مرتفعة من الإشعاعات النووية إلى
الخارج.
وعلى
الرغم من عدم وجود زلزال سينداي على خارطة الزلازل، أو حدوث زلازل بمثل هذه القوة
بهذه المنطقة سابقا، فإن المعطيات العلمية المتوافرة، تشير إلى أنه وللأسف لن يكون
الأخير بالمنطقة، وأن ثمة زلزالا كبيرا آخر يتوقع حدوثه بين الفينة والأخرى في نفس
المنطقة والمناطق المحيطة، خاصة قرب سواحل كاليفورنيا وهاواي ونقاط التماس الصدعية
والتصادمية المجاورة الأخرى.
ذلك أن التصدعات والتحركات الحادثة في
قشرة المحيط بهذه المنطقة، ستحتاج -بحسب ما يؤكده الخبراء المعنيون- إلى فترة
طويلة للعودة لاستقرارها وثباتها، وبقدر لا يستبعد معه حدوث تحركات وزلازل قوية
أخرى، وإن كانت التكهنات تشير إلى أنها ستكون أقل في الشدة، وهذا مما يستوجب
الانتباه والاستعداد له جيدا.
تداعيات
وتأثيرات الكارثة
إذا ما تحدثنا بلغة الأرقام عن الخسائر الحادثة، فقد قضى في الكارثة أكثر من 12 ألف شخص، وهذا فضلا عن فقد 16 ألفا آخرين، وتضرر أكثر من 250 ألف بناية ومنشأة بشكل جزئي أو كلي.
إذا ما تحدثنا بلغة الأرقام عن الخسائر الحادثة، فقد قضى في الكارثة أكثر من 12 ألف شخص، وهذا فضلا عن فقد 16 ألفا آخرين، وتضرر أكثر من 250 ألف بناية ومنشأة بشكل جزئي أو كلي.
أما عن خسائر الاقتصاد، فالأرقام في
تصاعد مستمر، نظرا لفداحة الدمار الحادث، وتسبب الزلزال وكارثة التسرب النووي
من بعده في شلل خدمات وقطاعات كثيرة، لاسيما في المناطق اليابانية المنكوبة، فضلا
عن تأثر صناعات إستراتيجية يابانية كثيرة بما حدث، ومن أبرزها بالطبع صناعة
السيارات وقطاع النقل البحري وحركة التصدير وغيرها.
وإجمالا، فقد قدرت الحكومة اليابانية قيمة
الأضرار المباشرة الناتجة، بما بين 185 و308 مليارات دولار، مما يجعل هذه الكارثة
من أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة على مستوى العالم.
ومن
الناحية الجيولوجية، فقد أحدث الزلزال وما تلاه من موجات مد عاتية، تغييرات كبيرة
ومؤثرة في القشرة الأرضية ومظاهر السطح الكائنة بساحل اليابان الشمالي الشرقي،
ولعل أبرز هذه التغييرات تحرك الأراضي اليابانية شرقا بما لا يقل عن 4.2 أمتار،
وميل محور الأرض بنحو 8 سنتيمترات، عما كانا عليه قبل الزلزال، ليفوق بذلك ما
أحدثه تسونامي سومطرة في عام 2004 وزلزال تشيلي في عام 1960.
وكنتيجة طبيعية لهذا، فقد تغيرت مواقع
الإحداثيات الجغرافية (GPS) لحدود العقارات ومسارات الطرق وخرائط مناسيب الأعماق
وغيرها من المعالم الجغرافية في شمال اليابان، وهو ما يستوجب معه بالطبع تحديثها
وتصحيحها بحسب أوضاعها الجديدة.
لكن تأثيرات زلزال اليابان لم تقتصر
على مجرد إزاحة الساحل الشمالي الشرقي للبلاد أو على تدمير البنية التحتية للمناطق
المتاخمة، والتسبب في خسائر بشرية واقتصادية فادحة وغير مسبوقة، بل تعدت بعض
تأثيراتها بالفعل حدود اليابان، من ذلك مثلا ارتفاع أسعار النفط والمعادن والحبوب
وغيرها من المنتجات بشكل كبير عالميا.
غير أن أبرز هذه التأثيرات وأكثرها
وضوحا، يتمثل فيما أحدثته كارثة التسرب النووي المصاحبة للزلزال، من هزة عنيفة
وموازية في صناعة الطاقة النووية والأمان النووي عموما، نتيجة فقد الثقة بهذه
الصناعة، وعودة ذكريات حادثة مفاعل تشيرنوبيل الأليمة إلى الذاكرة مرة ثانية.
فخروج
الأمور في محطة فوكوشيما النووية عن السيطرة، رغم ما تمتلكه اليابان من قدرات
ونظام أمان نووي قوي وفعال، كشف للعالم أجمع أنه لا يوجد هناك مفاعل -مهما تقدمت
تقنياته وعلت معدلات الأمان وإجراءات الحماية المطبقة فيه- بمأمن تام من مخاطر
الكوارث الطبيعية، وكشف أيضا أن الطاقة النووية ليست هي الحل السحري لمشاكل الطاقة
والبيئة كما يحاول البعض أن يروج لذلك.
من جهة أخرى، ينتظر أيضا أن يؤدي
الزلزال والكارثة الحادثة برمتها إلى إحداث تغييرات كبيرة إضافية سواء في المفاهيم
والمعتقدات العلمية المرتبطة بطبيعة المنطقة الزلزالية، أو "أكواد"
البناء والتصاميم الهندسية الحالية المقاومة للزلازل، أو تكلفة بناء المفاعلات
النووية، وغير ذلك مما يتعين على الدول المهددة بالزلازل والكوارث الطبيعية
مراجعته وإعادة النظر فيه.
التجارب
والدروس المستفادة
بعيدا عن قسوة الكارثة الحادثة ومأساوية أحداثها، هناك بلا شك دروس كثيرة مستفادة يمكن الخروج بها من عظات وعبر ما حدث. وأول هذه الدروس هو أنه مهما قيل عن قوة أو قسوة الكارثة الطبيعية الحادثة أو عن جسامة خسائرها، فإن العامل الوحيد الذي يمكن أن يفيد في تقليل الخسائر الناتجة وإنقاذ آلاف الأرواح في المناطق المتضررة، هو الجاهزية الدائمة للتعامل مع كوارث كهذه، والاستعانة بالعلم والتقنيات الحديثة، من أجهزة رصد وإنذار مبكر وغير ذلك، للتحذير المسبق مما هو محيق بنا.
بعيدا عن قسوة الكارثة الحادثة ومأساوية أحداثها، هناك بلا شك دروس كثيرة مستفادة يمكن الخروج بها من عظات وعبر ما حدث. وأول هذه الدروس هو أنه مهما قيل عن قوة أو قسوة الكارثة الطبيعية الحادثة أو عن جسامة خسائرها، فإن العامل الوحيد الذي يمكن أن يفيد في تقليل الخسائر الناتجة وإنقاذ آلاف الأرواح في المناطق المتضررة، هو الجاهزية الدائمة للتعامل مع كوارث كهذه، والاستعانة بالعلم والتقنيات الحديثة، من أجهزة رصد وإنذار مبكر وغير ذلك، للتحذير المسبق مما هو محيق بنا.
ولعل
مقارنة عدد الوفيات الناتجة عن الزلازل الحادثة مؤخرا في كل من اليابان ونيوزيلندا
-وهي من الدول المتقدمة والمتمرسة على الكوارث الطبيعية- مع ما خلفته الزلازل
الحادثة في كل من هايتي ومصر وإيران وإندونيسيا وغيرها من دول العالم الثالث، يكشف
بشكل جلي عن فاعلية هذا العامل ودوره الفارق في حماية الأرواح والتقليل من
الخسائر.
وثاني هذه الدروس، هو أنه لا يمكنك
أبدا -مهما توافر لك من وسائل هندسية وجيوتقنية- الوقوف أمام أمواج التسونامي أو
مواجهتها، وهذا على العكس من الزلازل التي يمكن الاستعداد لها والتقليل من آثارها
بتصميم "أكواد" بناء مقاومة للهزات الأرضية الشديدة واستخدام مواد إنشائية
مناسبة، لذا فإن أفضل الطرق لمجابهة أمواج التسونامي العاتية هو التحضر لها، ونشر
مزيد من أجهزة الرصد والإنذار المبكر، بما يمكن معه عزل وإجلاء السكان المتضررين
من المناطق المهددة في الوقت المناسب.
كذلك فإن من دروس الكارثة، ضرورة وضع
خطط طوارئ وإغاثة فاعلة وناجزة للتعامل مع الكوارث الطبيعية الحادثة، مع الاستعانة
بكل ما هو متاح من الأدوات والتقنيات الحديثة، ومن ذلك الإنترنت والإعلام الجديد
في سرعة الوصول إلى المناطق المنكوبة وإنقاذ ما فيها.
وقد رأينا في هذا كيف أن موقع غوغل
الشهير قد تم استخدامه بشكل فعال في عمليات الإنقاذ والإغاثة الجارية في شمال
اليابان وقبلها في هايتي في يناير/كانون الثاني 2010، وهذا عن طريق استحداث
الموقع لنظام تواصل اجتماعي يُمكًَن الأهل والأقارب من الإبلاغ عن المفقودين، ومن
طمأنتهم حال إنقاذ ذويهم أو العثور عليهم، ويُمكَن كذلك وكالات الإغاثة من جمع
معلومات عن الضحايا والمناطق المنكوبة، ومن ثم تقديم المساعدة المناسبة واللازمة
لهم.
كذلك علينا الانتباه إلى أهمية تأمين
شبكات وكابلات الاتصال، مع توفير أنظمة احتياطية وبديلة لاستخدامها وقت الأزمات
والكوارث، لأن انقطاع الخدمة أو ضعف كفاءتها في هذه الأوقات، كفيل بتعميق مجريات
الأزمة وبزيادة خسائرها.
من دروس الكارثة أيضا، أنه لا يمكن في
الوقت الحالي الوثوق تماما بصناعة الطاقة النووية واستخدام المفاعلات النووية، لذا
فإنه من الأفضل خلال هذه المرحلة -وإلى أن تتحقق معدلات الأمان النووي المطلوبة-
تركيز الجهود على تطوير مصادر الطاقة الأكثر نظافة والأكثر أمنا، مثل الطاقة
الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة النظيفة.
الدروس في الحقيقة كثيرة ويصعب حصرها، لكن الأهم من ذلك كله أن
يتم اعتبارها واستيعابها، وفي هذا لا يمكننا أبدا التغاضي عن سؤال مهم وملح، يتعلق
أساسا بسلامة وأمن المواطن العربي، ألا وهو: هل أخذت الحكومات العربية دروس وعبر
كارثة اليابان وما سبقها من كوارث طبيعية على محمل الجد؟، وهل أعد أي منها العدة
بشكل جدي وحقيقي لما قد يصيب المواطن العربي من حوادث مماثلة مستقبلا؟
أخشى أن الإجابة ستكون بغير نعم، وأخشى أن تكون العشوائية
والتكاسل وخطط العمل المكتبية هي السمة الأساسية المميزة لأسلوب عمل أغلب هذه
الحكومات، وإلا فلماذا غرق مئات الأشخاص بسبب فيضانات المغرب عام 2008، وفيضان جدة
العام الماضي، ولماذا هلك زهاء ألف شخص إثر زلزال القاهرة الضعيف عام 1992، وهي
كلها من الكوارث البسيطة، ولا تقارن أبدا بما ألم مثلا باليابان ونيوزيلندا.
أخشى أن الفرق كبير، وأخشى أن حكوماتنا ستظل على تواكل وفي سبات
عميق، إلى أن يأتي يوم أو حدث يندم فيه الجميع -حكاما ومحكومين- على ما كان يجب
تجنبه وتلافيه، وهذا مما لا نتمنى بالطبع حدوثه أبدا أو رؤيته.
لذا ينبغي أن نقدر النعمة التي حبانا
الله بها، وحبا بها أرضنا الطيبة، وهي بعدها عن أحزمة الزلازل ونأيها عن قوى
الطبيعة العاصفة إلا فيما ندر، وهذا لا بالتواكل أو التخاذل، وإنما بعمل الواجب
وبجدية العمل. هذا هو الواجب وهذا هو المفترض، أما الواقع الحالي والمستقبل، فنسأل
الله أن يبعدنا عنه وأن ينجينا منه، والله المستعان.
تعليقات
إرسال تعليق