من يحلّ مماطلات شركات التأمين؟ عبدالحميد العمري
تجاوزتْ
قضية "مماطلات شركات التأمين" مع المتضررين منها من مجرد كونها حالة
متعسّرة، إلى أنْ أصبحتْ جزءاً روتينياً من عمل شركات التأمين، زاد من تفاقمه
وارتفاع أضراره الجسيمة على حساب مصلحة المواطنين والمقيمين، الصمت والإهمال
الغريبان من قبل كلٍ من مؤسسة النقد العربي السعودي "الجهة المعنيّة بتنظيم
سوق التأمين ومراقبته"، والأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات
التأمينية "الجهة التي تفصل في المنازعات مع شركات التأمين".
الحديث
هنا ليس عن تأخير بضعة أسابيع أو حتى عدّة أشهر! بل لقد تجاوز في حالاتٍ واسعة
فترة العام أو أكثر، والضحايا تجاوزتْ أعدادهم الآلاف، والتعويضاتْ المتأخرة
أصبحتْ تُسجّل في خانة المليارات من الريالات، على الرغم من أن تلك الشركات لا
تتأخّر دقيقة واحدة في تحصيل متحصّلاتها من أقساط التأمين من المشتركين
"الذين يتحولون إلى ضحايا لاحقاً".
حينما
ارتفع صوت المتضررين منذ عدة أعوام حول هذه التجاوزات من قبل شركات التأمين، وجاء
مؤيداً لها ما صرّح به مسؤولو إدارة المرور في المملكة، من تحوّل "مماطلات
شركات التأمين" إلى عقبةٍ كأداء في طريق تطوير مستوى أدائها، والصمت المطبق
الذي وجدته إدارة المرور من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي، وكأن هذا الصمت
والإهمال من قبل الأخيرة يُفسّر لك بكل وضوح حالة الإهمال الواسعة التي اعتادتْ
عليها الأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية!
إنّها
أسبابٌ كافية جداً لأن تتواضع "الثقة" بنشاط التأمين لدينا، وكافية جداً
لأن تحوّل النظرة من قبل المجتمع إلى تلك الشركات المفترض أن تقوم بالأدوار
والمسؤوليات تجاه مشتركيها حال الحاجة إليها، إلى مجرد شركات تمتص أقساط الاشتراك
دون التفكير في دفع المستحقات عليها بموجب الأنظمة!
لتعلم
حجم المشكلة وأنّها تحوّلت فعلاً إلى أزمة محلية حقيقية؛ نحن أمام مماطلات من نوعٍ
معقد! ذلك أنّ شركات التأمين وكأنّها لا تشعر بأي رهبةٍ أو خوفٍ من أي من الجهتين
مؤسسة النقد العربي السعودي والأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات
التأمينية! كيف لا والجميع يرى شكاوى المتضررين تتكدسُّ بعشرات الآلاف على مكاتب
المؤسسة ولجان الفصل في المنازعات، إذاً نحن أمام خصمين لا خصمٌ واحد.
في
ظل هذه الحالة، إلى من يذهب الضحايا من تلك المماطلات من قبل شركات التأمين، ومن
إهمال الجهات الرقابية وفض المنازعات؟ أيذهبون إلى أروقة القضاء أم إلى هيئة
مكافحة الفساد "نزاهة" أم إلى مجلس الشورى؟ وكم سيستغرق ذلك من الزمن؟
وبكم سترتفع الخسائر الفادحة جرّاء الدخول في تلك الدوامة التي لا نهاية لها؟
إنّ
المتطلع جيداً على تفاصيل الحالة الفادحة التي تعيشها سوق التأمين في المملكة،
يدرك تمام الإدراك أن المسؤولية بالكامل تقع على كلٍ من مؤسسة النقد العربي
السعودي والأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية، وأنّ على
الجهات الرسمية الأخرى المعنية بمراقبة أدائها مسؤولية البحث والتقصّي في أسباب
هذا التقصير والإهمال من قبل المؤسسة ولجان الفصل.
أوّل
تلك الجهات المسؤولة هو هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"؛ يجب أن تتحرك فوراً
إلى المؤسسة ولجان الفصل، وتبدأ في فحص الأسباب وراء هذا الإهمال الذي كلّف
مليارات الريالات على حساب مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين، وإنْ اقتضى الأمر
ووجدتْ مخالفات صريحة "وهو ما يبدو فعلاً أنّه متحقق"، أنْ تتولى هيئة
مكافحة الفساد دورها بكل مسؤولية في الرفع بأسمائهم إلى جهات الاختصاص لتطبيق
العقوبات اللازمة عليهم، وأنْ تعمل على إعادة الأمور إلى نصابها.
ثاني
تلك الجهات المسؤولة هو مجلس الشورى؛ عليه أن يتحرك نحو دراسة وبحث حالة السوق من
الناحية التنظيمية، فإن وجد أنّه لتحقيق المصلحة العامّة في فصل تنظيم سوق التأمين
والرقابة عليه عن مؤسسة النقد العربي السعودي "البنك المركزي"، فإن عليه
الإسراع في التوصية بذلك، فكما يبدو أن تكدّس عمليات التنظيم والرقابة على العديد
من المجالات المالية الحيوية لدى جهازٍ واحد، من شأنه أن يتحول بها لاحقاً لتكون
حجر عثرة في طريق تطور تلك السوق أو غيرها، لتتفرغ مؤسسة النقد بصفتها بنكاً
مركزياً للإشراف والرقابة على القطاع البنكي، وهي مهمة ليست بالهيّنة على الإطلاق،
بل يجب أن تركّز المؤسسة جهودها وأعمالها على حماية هذا القطاع الحيوي من تعرّضه
لأي أزمة.
أؤكد
هنا على مطالبة كل من هيئة مكافحة الفساد "نزاهة" ومجلس الشورى، بضرورة
الإسراع في التحرّك نحو معالجة هذه التشوهات التي غطّتْ سماء سوق التأمين حديثة
التأسيس في المملكة، والتي ظلّتْ تتسع طوال السنوات الأخيرة، مخلّفةً وراءها عشرات
الآلاف من الضحايا، بقيمٍ تجاوزت المليارات من الريالات! ويعد الأمر بالغ الخطورة
إذا نظرنا إلى أن السوق لا تزال في بداية عهدها، فما بالنا والجميع يتطلّع إلى نمو
وازدهار هذه السوق خلال السنوات القادمة! هل سيكون هذا متاحاً لها وهي تشهد هذه
العثرات الخطيرة النازعة للثقة بها؟!.
تعليقات
إرسال تعليق