نحن والغرب - مثال تطبيقي - التأمين الصحي في كندا - بقلم دينا سعيد
فى
هذه المقالة نتناول مثالا تطبيقيا يوضح فكرة تعاملنا مع الغرب ومحاولة نقل الحضارة
منه وقد اخترت أن يكون هذا المثال منظومة التأمين الصحى خصيصا حتى لا ندخل فى
مجادلات سياسية ودينية ويعتقد البعض منى التحيز أو الهجوم على اتجاه معين.
التأمين الصحى فى كندا فى كل الأشياء الأساسية حكومى فقط بمعنى أن الدولة فقط هى التى تتحكم فيه وتنظمه. شركات التأمين الصحى الخاصة تغطى نفقات بعض الأدوية والمساج والأسنان والنظارة ولكن حتى كشف قاع العين (ﻷنه شىء أساسى) يتم تغطيته فى التأمين الأساسى الحكومى.
هذا شىء مبهر ﻷول وهلة فأنت مؤمن عليك صحيا بدون أن تدفع سنتا واحدا لمجرد أنك من سكان كندا (لا يشترط أن تحمل الجنسية أو تكون مهاجر)..إذا قدر الله وأصبت بالسرطان أو البرد لن تدفع مليما واحدا فى الكشف ولا العملية ولا أجرة المستشفى ولا أى شىء.
كونك مواطن مصرى تسمع هذا الأمر ستجده رائعا وربما تود أن تحزم حقائبك وتهاجر فورا أو تسخط على الحكومة المصرية ﻷننا ليس لدينا هذا النظام.
التأمين الصحى فى كندا فى كل الأشياء الأساسية حكومى فقط بمعنى أن الدولة فقط هى التى تتحكم فيه وتنظمه. شركات التأمين الصحى الخاصة تغطى نفقات بعض الأدوية والمساج والأسنان والنظارة ولكن حتى كشف قاع العين (ﻷنه شىء أساسى) يتم تغطيته فى التأمين الأساسى الحكومى.
هذا شىء مبهر ﻷول وهلة فأنت مؤمن عليك صحيا بدون أن تدفع سنتا واحدا لمجرد أنك من سكان كندا (لا يشترط أن تحمل الجنسية أو تكون مهاجر)..إذا قدر الله وأصبت بالسرطان أو البرد لن تدفع مليما واحدا فى الكشف ولا العملية ولا أجرة المستشفى ولا أى شىء.
كونك مواطن مصرى تسمع هذا الأمر ستجده رائعا وربما تود أن تحزم حقائبك وتهاجر فورا أو تسخط على الحكومة المصرية ﻷننا ليس لدينا هذا النظام.
ولكن لننظر للأمر بنظرة أعمق: تخيل معنى أن التأمين الصحى حق للجميع ..يعنى أن الكل سواسية أمام المرض...يعنى أن مدير الشركة أو الوزير أو عميد الكلية يجلس فى نفس العيادة أو نفس غرفة المستشفى مع سكرتير أو عامل نظافة..
وبما أن موارد الدولة محدودة فلابد أن تكون هناك أولويات فى العلاج والنفقات وهذه الأولويات يحددها فقط (وضع تحت فقط هذه ألف خط) حاجة المريض.. بمعنى أنه فى غرفة الطوارىء قد يأتى رجل شرطة بابنه المريض باسهال وسخونية وينتظر 6 ساعات فى حين أن متسول يأتى بابنه الذى ابتلع قطعة معدنية فيدخل مباشرة.
بمعنى بفرض أنك صاحب المصنع عنده آلام مبرهة أسفل الظهر قد يجد نفسه فى قائمة انتظار العملية الجراحية بعد سنة فى حين أن العامل فى مصنعه قد تكون عمليته الأسبوع القادم ﻷنه حالته تستدعى تدخل جراحى عاجل.
تخيل أنك تتألم آلاما مبرحة ولديك أموال كثيرة أو عندك نفوذ قوى ورغم ذلك لابد أن تنتظر دورك مثلك مثل أى شخص آخر نكرة ربما يكون مجرم أو متسول أو لم يكمل تعليمه الجامعى فضلا أنك من الممكن أن تكون كندى أبا عن جد وهو وافد على البلد من شهر واحد فقط.
فهل الكنديون سعداء بهذا النظام الذى يبدو عادلا؟ بعضهم ليس بسعيد ومؤخرا رفع رجلان قضية فى ولاية ألبرتا حتى يتم السماح بشركات التأمين الخاصة ﻷنهما اضطرا للسفر للعلاج فى الولايات المتحدة لانهاء آلامهم بدلا من الانتظار الطويل وأنفقا الكثير من الأموال على ذلك..وما زالت القضية أمام المحاكم والجدال فى الصحف دائرا ما بين مؤيد ومعارض. قرأت مقالة لمعارض لفكرة التأمين الخاص ينتقد فيها شركات التأمين الخاص فى أمريكا ويقول أنهم يستغلون المواطنيين وكثيرا ما يتأخر رد الأموال لهم واحيانا يرفضون ردها وأنه من الأفضل أن تتحكم الحكومة بالكلية فى شىء أساسى مثل العلاج.
ولكنى لم أقرأ -إلى الآن- أى مقالة تشير أن البعض يشتكى أن نظام التأمين الصحى الكندى غير عادل وأحيانا يحابى الأطباء بعض الأشخاص فيضعونهم فى قوائم الانتظار مبكرا رغم وجود آخرين يحتاجون العلاج بشكل أكبر..لا ليست هذه المشكلة تماما...المشكلة أنهم يريدون أن يتم السماح بالتأمين الخاص وهو ما سيعنيه أن بعض الأطباء سيمكنهم العمل وفق ﻷجندة تانية وقوائم انتظار آخرى غير قوائم الحكومة.
لمشكلة الآخرى الكبيرة فى اقرار هذا التأمين الحكومى لجميع سكان الولاية أن مواطنى كندا يدفعون ضرائب هى الأغلى فى العالم وأعنى هنا بالمواطنين هم من تجاوز دخلهم حد معين وحسب شريحة الدخل. أما المواطنين الأقل من حد الدخل الأدنى فهولاء لا يدفعون ضرائب وتقدم لهم الدولة العديد من الخدمات والتخفضيات.
فقد تنظر للأمر على أنه مجتمع تكافلى متقدم للغاية ولكن من جهة آخرى ما ذنب الغنى أو الميسور أن يصرف على علاج الفقير الذى ربما هو فقير لكسله أو امتناعه عن العمل؟ وليس هذا فقط بل أن يتساوى معه فى الخدمة الصحية المقدمة من الدولة.
والسؤال هل يصلح هذا النظام للتطبيق فى مصر بنظام النسخ واللصق؟
أولا لابد أن نسأل عدة أسئلة:
1) هل نريد فعلا تطبيقه؟ بمعنى هل ستتحسن حياة المصريين الصحية إذا كانت كل خدمات الصحة ملك للدولة وكانوا سواسية أمامها؟ أم أن نظام أمريكا مثلا سيكون أفضل لنا؟
لابد من دراسة وافية لكل الأنظمة ونختار الأفضل لنا..طيب فرضا أننا اتفقنا أن النظام الكندى هو الأفضل لابد أن نستمر فى الأسئلة.
2) كيف سنطبقه؟
هناك وضع قائم فيه الكثير من المستشفيات والعيادات الخاصة التى أنفق أصحابها أعمارهم فى بنائها..لا يجوز تأميمها ولابد من وضع عادل لهولاء يتيح لهم كسب مادى مقارب لما كانوا يجنوه من قبل. الأمر ليس سهلا.
ثم كيف سنجعل كل المستشفيات والعيادات فى مستوى واحد ولدينا مستشفيات خمس وسبع نجوم ومستوصفات صحية وعيادات تحت السلم؟
3) هل المناخ العام يسمح بتطبيقه؟
فرضا أننا عالجنا المشاكل السابقة تبقى مشكلة الشعب نفسه، كم نسبة من سيقبلون أن يكون هناك نظاما عادلا يساويهم بمن هم أقل منهم اجتماعيا وماديا؟
كم نسبة من سيحاول رشوة الطبيب أو ممارسة ضغوط السلطة والوسائط عليه؟
كم نسبة الفقراء الذين عندما سيجدون النظام مختلا ويحابى الأغنياء والمحاسيب سيرفعون الأسلحة البيضاء على الأطباء ليحصلوا على أماكن شبه متميزة أسوة بالآخرين؟
نعم النظام المستورد من كندا قد يبدو عادلا تماما ولكن لتطبيقه لابد من قبضة قانون قوية بالاضافة إلى عملية وعى شاملة ليس فقط للمواطنين بل وللأطباء والتمريض وكل من يتعامل مع المرضى..وهى عملية قد تستمر لأجيال وليس سنوات فقط..
إذن فلنكف أيدينا وألستنا عن الكلام عن موضوع التأمين الصحى هذا ﻷننا لسنا مؤهلين له على غرار "طب هوين".. هذه خدعة آخرى اسمها "قصر ديل" يمارسها الحكام ليقولون لشعوبهم لا تتطمحون أن تكونوا أفضل فأنتم لستم مستعدون لذلك ثم يفعلون كل شىء ممكن لجعلهم غير مستعدين..
الحل هو التخطيط الاستراتيجى ولمدة طويلة وكأنك لديك طفل فى أولى حضانة وتطمح أن يكون دكتور فى علوم الفضاء مثلا.. كل سنة تمر من حياته لها منهج وخطة لتجعله أقرب للهدف الذى لن يصل إليه إلا بعد 30 سنة..
كما تستطيع أن تقوم بعلامات مضيئة على الطريق لتجعله يرى أن الهدف يمكن تحقيقه كمثال: مستشفى سرطان الأطفال فى مصر، قائمة على التبرعات بالكامل فبذلك هى ملك الناس، تفتح أبوابها للجميع بالمجان، الغفير فيها يلاقى معاملة مثل الامير..
إذن فالصورة المبهرة التى رسمتها لك عن كندا موجودة بالفعل على أرض مصر وناجحة للغاية...ولكن أن تجعلها على مستوى الدولة تحتاج أولاً لارادة سياسية تضع وتنفذ الخطة الاستراتيجة وثانيًا لوعى جماعى يشكله التعليم الحقيقى فى الأساس.
قس على هذا الكثير من الأنظمة الموجودة فى الغرب مثل التعليم وقوانين الانتخابات وقانون التظاهر وحقوق العبادة والعمل وحرية الإعلام إلخ إلخ إلخ. علينا أولا أن نرتب أولياتنا لنعرف ماذا نريد أن ننقل من هناك وهل ما نريده يصلح لنا وكيف نجعله يصلح إن كان لا يصلح ثم نخطط استراتيجيا للوصول إليه.
تعليقات
إرسال تعليق