منظومة الضمان الصحي في الكويت المثالب والمطالب - د.علي عبدالله الجوهر
هل مشروع الضمان
الصحي مطلب تنموي في النظام الصحي الوطني والذي يعتمد كليّاً على الموازنة
الحكومية المطلقة؟ وما دعائم هذه الخطة التنموية ومفردات أهدافها الشمولية؟ هل تم
الرجوع إلى مخرجات تطبيق قانون 1 /1999 بشأن تطبيق الضمان الصحي والتأمين الصحي
على الأجانب؟ لماذا تخلت وزارة الصحة عن أهم الأهداف المرجوّة في التأمين الصحي
وأهمها إنشاء مستشفيات التأمين الصحي الثلاثة لخدمة الوافدين؟ هل الهيئة العامة
للاستثمار قادرة من خلال التجار أن تصلح ما أفسدته وزارة الصحة بمشروع الضمان
الصحي؟ كيف ستتعامل الحكومة مع الاندفاع بتطبيق مشروع بديل عن انشاء مستشفيات
التأمين الصحي في ظل الاعلان عن الاكتتاب؟ اين موقع المواطن والمقيم والوافد وهم
المستفيدون من الخدمة الصحية؟ ومن هو المستفيد الحقيقي؟ ما مكامن الخلل في فنيّات
الخطة ان وجدت بالفعل خطة من الشركة الاستشارية؟ ما التكهنات الموضوعية خلال العشر
سنوات المقبلة في مستقبل الخدمة الصحية ككل؟ هل سيقضي هذا المشروع على ظاهرة
الازدحام في المستشفيات ونقص السعة السريرية للمواطن؟ وما التنازلات التي قدمتها
اللجنة التأسيسية ( شركة الخدمات الطبية) للشركة التي فازت بالترسية؟ كيف سيواجه
مجلس الوزراء تحديات الإنفاق الصحي في ظل تحديات التطوير في مستوى تقديم الخدمة
الصحية وتحسين جودتها؟
هل اللجوء الى التاجر والمستثمر سيُنجح منظومة الضمان
الصحي؟ كل هذه التساؤلات تم بحثها وفقاً للمؤشرات الصحية ومخرجات التجربة الكويتية
في التأمين الصحي والإجابة عنها في إطار هذه الدراسة والثابت فيها ان هذا المشروع
سيؤثر سلباً على النظم الصحية المعمول بها في المؤسسة الصحية الحكومية، ككابتن الطائرة
العاطلة الذي يريد صيانة مكامن خلل ناقلته في السماء ضارباً بعرض الحائط عاقبة
المخاطر وحجمها من خلال الاستعداد الهوائي.
• احتكار سوق الرعاية الصحية يترتب عليه اضطراب المؤسسة الصحية
• اشتراط الحصول على الاعتراف العالمي يستحيل تحقيقه
• غياب دراسة معدل حاجة المستهلك دليل قصور فني كبير ومتعدد
المحاور
• سعر قسط الضمان مبالغ فيه ولم يراع العمالة الهامشية ومستوى دخل
رواتبهم
• معاناة المواطن بالازدحام وتأخير المواعيد وتدني الخدمة
ستستمر... والفاتورة سيدفعها الوافد
• المطلوب التدرّج في الخصخصة مع المحافظة على بقاء الحكومة اليد
العليا في المشروع
يعتبر مشروع انشاء مستشفيات الضمان الصحي اوّل واكبر مشروع تنموي في القطاع الطبي، من حيث رأس المال المقدر بمليار ومئة مليون دولار، وهذا هو الجذب الاعلامي السحري للمشروع حيث استخدم هذا الرقم في التدشين لحملة إعلامية ضخمة منذ عام 2010م، ولا يعتبر المشروع سوى بديل غير ناجع لهدف لم يُحقق في انشاء ثلاثة مستشفيات التأمين الصحي بمساحة 50 ألف م2 لكل مستشفى في الأحمدي وامغرة والضجيج كان من المفترض ان تفتتح قبل 10 سنوات لخدمة ما يقارب مليون وافد. الأمر الذي دفع مجلس الوزراء بتحويل حصة الرعاية الصحية للوافدين إليها بتوكيل الهيئة العامة للاستثمار بالقيام مقام شركة طبية إدارية تقنية عالمية كي تدير الاموال وتجبر الشركة ان تحوز بمهامها الصحية في جميع منشآتها الافتراضية وهي (3 مستشفيات كبرى و15 مستوصفا ) على الاعتراف العالميGlobal recognition، بجودة مستوى تقديم الخدمات الصحية. والاهم من ذلك ما أكده المستثمر على مستوى عمليات الضمان الصحي لديها بحيازة شهادة الاعتراف الدولي National accreditation بجودة وشفافية الخدمات، وهذا واقعي وفقا لمؤشرات قياس منظمة الصحة العالمية ضرْبٌ من الخيال وتنظير ليس إلاّ. وأمّا مدخل المشروع فقد جاء برأس المال بقوة القانون النافذ رقم 1 /1999 والذي يجبر كل أجنبي ان يدفع خمسين دينارا سنويا رسوم الضمان الصحي، بل وقامت الشركة بتحديد مبلغ 130 دينارا سنويا للوافد دون اي دراسة محققّة (وسيأتي بيان ذلك لاحقا)، واعتبرت وحدها المصدرة لهذه الوثائق بنسبة 62 في المئة من الأجانب اي تقديريا ما يقدر بمليون ونصف المليون نسمة، ويتبين جليّاً: ان المشروع مرتكز على استثمار عوائد 62 في المئة من أموال الضمان الصحي مقابل خدمات صحية عامة تقدمها الحكومة ولا تزال بمستوى عال وبمبلغ محصل اقل من الضعف عن المعلن تطبيقه، حيث ضاعفت الشركة قسط الضمان على الوافد من 50 دينارا الى 130 دينارا سنة أولى ضمان وبشكل متصاعد حتى يصل في السنة التاسعة الى مئة وتسعين دينار سنوياً وهذا يعني:* زيادة الأسعار * أعباء إضافية على الكفيل المواطن أو صاحب العمل الوافد * ارتباكا في سوق العمل فضلا عن توجيه ضربة قوية للقطاع الخاص من مستشفيات وعيادات، وهذا تضارب واضح مع أهداف منظومة التأمين الصحي بقانون 1 /1999.
ثم ان الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار القيمة السوقية للأراضي التي ستُمنح كهبات لسنين طويلة والمقدر اجماليها بمئة وثلاثين ألف م2، وان فرضنا المحال نجاح الشركة الباهر بتقديم خدمات صحية للمستفيد من الضمان، وتنازلاً للجدل على افضل التوقعات فإن الخدمات ستكون أولية وثانوية اي خدمة مستوصفات ومستشفى عام رباعي التخصصات (باطنية، اطفال، نساء وولادة وجراحة) وهذا يعني تحويل رعايا الضمان الصحي والبالغ عددهم مليون ونصف المليون نسمة تقديرياً الى المستشفيات الحكومية التخصصية من جديد كتخصصات (القلب، الأعصاب، العظام، العيون، وخلافه) نظير 5 في المئة رسوم يدفعها المستثمر لوزارة الصحة، وهذه ضربة تجارية أخرى تُحسب للمستثمر ماليا وتستغفل الحكومة، والمواطن سيدفع الثمن باستمرارية ظاهرة الازدحام بمستشفيات الحكومة التخصصية، هذه الإرهاصات وغيرها تُحتّم تلكؤ تطوير القطاع الحكومي التخصصي، واستمرار تحميل الدولة الكُلفة الباهظة في الخدمة الصحية التخصصية نظير سعر رمزي من المستثمر بسبب انعدام الخدماتية التخصصية وتطويل الفترة الزمنية الى اقصى حد لحين توفير بُنى تحتية متخصصة ومتمكنة من المستثمر لتقديم الخدمة الثالوثية لتوافر عوائد ربحية استثمارية كبيرة وغير محسوبة أو معلنة بتدشين الخطة الإعلامية السحرية التي ربما خدعت الرأي العام أو الحكومة بظاهر الخطة ورأسمالها وسيأتي البيان الاقتصادي لها مع افتقار الموضوعية وغياب رؤية بالتخطيط.
ان فرضيّة قيام مستثمر ببناء ثلاثة مستشفيات طبية خلال 4 سنوات جزء لا يتجزأ من افتراضات المشروع. المستثمر يؤكد جهوزيته لتوفير 1300 سرير بثلاث أراض مخصّصة كهبة حكومية طويلة الأمد له وبغض النظر عن ذلك، فإن توفير بنية تحتيّة صحية Health Infrastructure حديثة متطابقة مع شروط كراسة مزايدة المجلس التأسيسي الاستثماري والذي يؤكد بأريحية مطلقة تحقيق الاعتراف العالمي وتقديم الجودة من خلال خدمة صحية عالمية يشترط فيها على الشريك المستثمر مواصفات عالمية ويتعين عليه توفير ذلك قبل شروع العمل تنظير غير واقعي، فهل ستعتمد لجان الاعتراف الدولية والجودة معاييرها على أراض مخصصة للتقييم؟ مما يخالف واقعية المشروع وعجز الحصول على الاعتراف العالمي ليس خلال اربع سنوات بل على مدى اربعة عقود يستحيل تحقيقه لحين توافر المنشآت الصحية وهي 3 مستشفيات و15 مستوصفا ووحداتها الاكلينيكية، وتكنولوجيتها الطبية المتقدمة والمستحدثة، والكوادر الطبية النوعية المختصة ذات الصلة كمّاً ونوعا وتوظيف سياسات التشغيل Operation policies وإعادة صياغة التشريعات الملائمة وتحقيق الربط الإلكتروني بين المستشفيات الثلاثة مع غياب الخبرة الخدماتية الصحية، والابتداء من ارض مخصصة للبناء لتحقيق أهداف عالمية لتحقيق الرديف التمويلي الاستراتيجي لوزارة الصحة في تدعيم الموازنة المالية الحكومية في الإنفاق الصحي مع اقتصار واحتكار سوق الرعاية الصحية على مستثمر بمعزل عن المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية الأهلية يترتب عليه اضطراب المؤسسة الصحية وسوق الرعاية الصحية ككل وهذه هي مخرجات الخطة القائمة على الفرضيات، فليس من المعقول ولا من الواقع الثقة بالجدول الزمني المفترض لتشييد هذه المرافق الصحية بمستوى محلي وليس عالميا خلال 3-4 سنوات ثم ان اول إعلان صحافي للشريك التاجر جاء مؤكداً أول تنازلات رئيس التأسيس بشركة مشروع انشاء مستشفيات الضمان الصحي حول تصريح الاخير بتوفيرعدد 1300 سرير، واما إعلان الشريك الظافر بالمناقصة عن استعداده لتوفير 600 سرير امّا انه تنازل من الطرف الأول بمعدل 700 سرير، أو عدم تجانس طرفي التعاقد وربما خطأ مطبعيا، وفي كل الأحوال فإن الطاقة السريرية غير كافية على الإطلاق لخدمة المستفيد من الضمان.
ان غياب رؤية موضوعية وعمليّة مُسندة الى قراءة نتائج التأمين الصحي وتداعياته تدفع بتلخيص مثالب المشروع بالمستوى التنظيري الي:
• غياب البنية التحتية Health
Infrastructure.
• عدم واقعية الجدول الزمني المفترضSupposed schedule.
• القصور السريري الخدماتي للمستفيد من الضمان 62 في المئة من
الأجانب.Clinical palaces.
• الخدمة المتوقعة بالحد الاعلى جيدة مع استحالة تطبيق معايير
الجودة والتقيد بشروط الاعتراف الدولي.
• استمرارية التزاحم بالمستشفيات Hospitals congestion مما يؤكد ضياع الهدف الأساسي للمنظومة لمشروع سيطبق في غير موضعه.
• فشلت وزارة
الصحة في بناء 3 مستشفيات تأمين صحي منذ تطبيق قانون 1 /99 في أبريل 2000 على مدى
13 عاماً وبميزانية حكومية ودعم لا مسبوق.
• هل ستنجح شركة خاصة ببناء ثلاثة مستشفيات بمساحة اجمالية 136
ألف م2، (هذا من دون حساب بناء 15مستوصفا) خلال 4 سنوات.
• الحكومة تخلت عن التأمين الصحي وعادت الى الضمان الصحي بعد
التجربة القاسية مع بعض الشركات وضياع الملايين.
• الشركة المنبثقة من الهيئة العامة للاستثمار تؤيد تطبيق الضمان
الصحي على 62 في المئة من الوافدين والعزوف المطلق عن التأمين.
• 38 في المئة بقية الوافدين الذين سيستمرون تحت مظلة الضمان الصحي
الحكومي.إذا أين التأمين الصحي واهداف اقتصاديات الصحة.
• التجربة نجحت في بلدان طبية متقدمة أخرى برأي المستشار الأجنبي
في الشركة المخططة للمشروع وان سلمنا بذلك افتراضا، فإن النظام الصحي المتبّع في
الكويت ليس بيئة ملائمة لاحتضان المشروع.
• الخدمات الصحية الحكومية (لكافة الوافدين إبان تطبيق الضمان )
مقابل 50 دينارا ودينارين للزيارة تشمل الخدمة الصحية بكل مستوياتها في كل
مستشفيات الدولة والمراكز الصحية الأخرى، بينما الخدمات الصحية المزمع تقديمها
بمستشفيات ومستوصفات سيتم بناؤها خلال 3 سنوات أو 4 سنوات بسعة 1300 سرير على افضل
تقدير وعلى فرض صحة الرواية ستقدم خدمات مستوصف وطب عام(باطنة، جراحة، نساء
وولادة،اطفال، )بينما ستقدم الخدمات التخصصية في مستشفيات الحكومة نظير 5 في المئة
للأخيرة وبقسط سنوي 130 دينارا ومتزايد تدريجياً، ومن 2 إلى 4 دنانير للعيادة وهذا
يعني ان الشركة لم تدرس العرض والطلب في سوق خدمات الرعاية الصحية.
توحيد سعر قسط الضمان على كل الأجانب من دون الأخذ بالاعتبار
تباين وفروق الدخل المادي تخبط، واقتصار تقديم الخدمة على جهة أو شركة واحدة
احتكار وغياب للتنافس في سوق الرعاية الصحية.
• غياب دراسة معدل حاجة المستهلك النمطي للخدمة الصحية الحكومية
بمستوياتها الثلاثة المتاحة حاليا من الشركة «الشريك» القادم لتحديد احتياجات سوق
العمل بكل المقاييس دليل ان المشروع ينتابه قصور فني كبير متعدد المحاور.
• مشروع خصخصة مستحقات أموال الضمان الصحي، والتخلي الحكومي عن
ثلثي إيراداتها لعدة شركات مقابل تقديم كل الخدمات العلاجية التخصصية لكل الوافدين
على مدى ليس اقل من عشر سنوات على افضل تقدير نظير 5 في المئة.
في اقتصاديات الصحة
تركز تدشين المشروع الاكبر في الشرق الاوسط وشمال افريقيا على قيمة رأس المال (مليار ومئة مليون دولار اي ما يعادل 337.8 مليون دينار) مصدرها الأساسي جيوب الوافدين ( بنسبة 62 في المئة) بقوّة قانون 1 /99 وتنازل الحكومة عن حصتها من إيرادات الضمان التي رفعها المستثمر الى أكثر من الضعف مع اعطاء أراض تقدر قيمتها الاستثمارية بعشرات الملايين كهبة، كما ان القيمة السوقية للبنية التحتية بالمستشفيات التخصصية بمنطقة الصباح الطبية لوحدها تقدر بمليارات الدنانير ستكون بخدمة المستثمر لرعايا الضمان مقابل سعر رمزي ضئيل 5 في المئة بخدمات متخصصة لم تلتفت إليها الحكومة، ثم ان إقصاء القطاع الخاص من التنافس بسوق الرعاية الصحية يؤكد الاضطراب الحتمي والارباك المقبل، والانتعاش التجاري سيكون حصريا للتاجر بسوق الضمان الصحي الجزء الكبير من سوق الرعاية الصحية Health care market، فهل هناك أكثر سذاجة Commercial naivety من طواعية التنازلات لمن سيتحكم بنظْم الخدمات الصحية، ناهيك عن انه مشروع غير مجز اقتصاديا لانه سيستحوذ على حصة الحكومة 62 في المئة من عوائد الضمان وسيستنزف الخدمات التخصصية في المرافق الحكومية وسيزيد الأعباء المالية على الأجانب بالقطاع الخاص ويحتكر سوق الضمان ولن يعالج مشكلة الازدحام في المستشفيات الاساس الفني لهدف المنظومة من خلال بناء 3 مستشفيات عامة بسعة 600 سرير لخدمة 2 مليون نسمة.
إذا بكل المقاييس الرقمية هذا المشروع تدمير ممنهج ومبرمج للنظام الصحي الكويتي.
وبالعوْدة الى سعر قسط الضمان فهو مبالغ فيه ولم يراع العمالة الهامشية ومستوى دخل رواتبهم الشهرية اقل من القسط السنوي للضمان الصحي لشريحة كبيرة من الفئة المستفيدة، وستستمر معاناة المواطن والمقيم بالازدحام وتأخير المواعيد، وتدني الخدمة والفاتورة سيدفعها الوافد لتنمية اقتصاديات ليست في الصحة.
خلاصة القول، ان احتياج تنمية اقتصاديات الصحة مطلب استراتيجي لاستمرار ضمان تقديم خدمات صحية جيدة ومجابهة تحديات متزايدة في الانفاق الصحي بسوق العرض والطلب توازياً مع اضطراد عدد السكان والبحث عن الأفضل المتاح في الخدمات الصحية والتدرّج في الانتقال من النظام الحكومي الصحي الى خصخصة صحية تنموية مع المحافظة على بقاء الحكومة اليد العليا في إمساك زمام المشروع وفرض الرقابة على محتويات الشراكة من خلال مراجعة تداعيات الشراكة والتعاقد مع شركات بمشروع التأمين الصحي. واما الحديث عن هذا المشروع يعني الحديث حول فقدان البنية الأساسية من الآن وحتى عام 2025 بسوق الضمان الصحي على اقل تقدير خصوصا وان التجربة هي الأولى من نوعها ومؤشرات الشراكة التأمينية في السابق سلبية جدا وستكون هذه الشراكة الجديدة عبئا على الجميع.
* طبيب اختصاصي المختبرات التشخيصية الإكلينيكية - مركز الكويت
للصحة النفسية
تعليقات
إرسال تعليق