شركات التأمين والمحرقة القادمة - زياد الغامدي
لا يمكن أن تؤدي تلاعبات
شركات التأمين في الغرب إلا لكارثة مالية لا تقل بشاعة عن المحرقة المالية الناتجة
عن أزمة الرهونات العقارية. فقيام شركات التأمين بتأسيس شركات إعادة تأمين في جزر
الجرائم المالية ـ عفواً قصدت جزر الملاذات الضريبية ـ ومن ثم أعادت إسناد مخاطر
التأمين لشركات إعادة التأمين الورقية هذه, جريمة مالية حقيقية بكل ما تعنيه
الكلمة من معنى.
ويقوم التنفيذيون في عدد
لا بأس به من شركات التأمين في الغرب بهذه اللفة الطويلة, حتى يتجنبوا الاحتياطات
اللازمة لتغطية المخاطر التي يسعون جاهدين لإخفائها عن كل من المشرعين والمساهمين
البسطاء على حد سواء. فعلى أرض الواقع لا شركات التأمين، إعادة إسناد جزء من
مخاطرها لشركات إعادة تأمين حقيقية, ولا هي وثقت هذه المخاطر وعكستها في قوائمها
المالية ليكون كل من المشرعين والمساهمين على بينة. وحين تقع الفأس على الرأس
(كالعادة), فأول الضحايا حملة بوليصات التأمين الذين سيفاجأون بأن شركات التأمين
عاجزة عن تغطية حقوقهم وفق الاتفاق, والسبب بكل بساطة لأنهم آثروا الكذب على قول
الحقيقة، ولأنهم لم يجنبوا الاحتياطات اللازمة والمطلوبة. وحين تحرر الاحتياطات
وتعكس كأرباح (وهمية) في القوائم المالية, فأول المستفيدين بالطبع التنفيذيون
الذين يتقاضون مكافآتهم ذات الستة والسبعة أصفار بطبيعة الحال.
المشكلة الحقيقية في
النظام المالي الغربي ليست في سلامة الأسس والقواعد والنظريات والأنظمة, فتلك أمور
يمكن تعديلها بشكل دوري وفق القواعد العلمية المتعارف عليها, شأنها شأن أي شيء آخر
في العالم الذي نعيش فيه. المشكلة كلها في أخلاق المتربعين على أعلى هذا السلم
المالي الذين لا يتورعون عن ارتكاب أي جريمة في سبيل حفنة من المال، حالهم حال أي
مجرم على وجه الأرض.
عدد لا بأس به من شركات
التأمين وإعادة التأمين وصلت بها الوقاحة حد إظهار الامتعاض من القوانين الدولية
التي تلزم شركات التأمين بعدم التعاون مع الدول الإرهابية, عدد آخر ما زال يتعامل
في الخفاء, وقليلون جداً الذين التزموا بالقوانين والأعراف الدولية. وبلغة التعالي
والتكبر والغطرسة نفسها التي أبداها مسؤولو ''ستاندرد تشارترد'' و''ديلويت''
للاستشارات المالية'', يردد مسؤولو عدد لا بأس به من شركات التأمين أن العقوبات
الدولية غير واضحة، وأنها تضر الأعمال والتجارة, متجاهلين أن الأخلاق أساس أي عمل
تجاري سوي, والتعاون مع الإرهاب ليس تجارة، بل جريمة بعينها.
أما جزر الملاذات
الضريبية، فكالعادة تقدم التسهيلات وتقدم السرية لكل من في نفسه مرض التدليس
والخداع, فتاريخ الجرائم المالية الحديث يؤكد أن دول الملاذات المصرفية ليست سوى
وكر لتدمير كل عرف وكل خلق تجاري سوي.
إن استمراء التلاعب
واستغلال الثغرات القانونية والمالية من قبل عدد كبير من شركات التأمين في الغرب
بغرض التهرب من تجنيب الاحتياطات اللازمة لتغطيه المخاطر, عمل مدلس يدل على تنفذ
العقليات الملتوية في وسط قطاع التأمين وإعادة التأمين على حد سواء. كما أن
النتائج المتوقعة (والمنتظرة) من تبني مثل هذا السلوك المشين لن تقل مأساوية عن
أزمة الرهن العقاري وغيرها من الأزمات المالية التي حدثت في المائة سنة الماضية،
التي أساسها ومبدأها انعدام الأخلاق واللهث وراء المال وبأي طريقة كانت. كما لا
يعقل الصمت والسكوت عن الممارسات التي تحدث في جزر الملاذات المصرفية والضريبية،
فما من قانون مصرفي أو تأميني أو (إفصاحي) على وجه الأرض إلا وتقدم هذه الدول
(عكسه) بطريقة فجة لا تهدف من ورائها سوى استقطاب السفلة والمجرمين وأراذل الأرض.
فالعالم سئم من الكوارث والمحارق والمجازر المالية التي تعصف بالأرض بين الفترة
والأخرى، والتي يذهب ضحيتها مئات الملايين من البشر، والتي يخرج المتسببون فيها من
(الجريمة) كما تخرج الشعرة من العجين.
لا بد من إعادة الهيبة
للقوانين والأعراف المصرفية والتأمينية والمالية. لا بد من إحقاق الحق لتستقيم
الأرض.
زياد
الغامدي