شركات التأمين والتدليس المتعمد - زياد محمد الغامدي
يعتقد
عدد لا بأس به من مسؤولي شركات التأمين، أن الغرض من المعايير المحاسبية المعتمدة
هو اختبار قدرتهم على الالتفاف عليها. وهؤلاء لا يجدون ضيرا في تقديم قوائمهم
الماليه بطريقة تعكس واقعا غير حقيقي عن شركاتهم، واقع مزور، تم تجنيد خبراء
المحاسبة والقانون لتمريره على أنه مرآة لواقع هذه الشركات البائس. والهدف من هذا
التدليس المتعمد، استغفال وتضليل مساهمي شركات التأمين هذه، حتى لا تظهر أسعار
أسهم هذه الشركات متضخمة في البورصات.
ولست
بصدد شرح آلية استغفال هؤلاء التنفيذيين للمساهمين، وبتواطؤ مع المراجعين الماليين
الكرام والمحامين الأفاضل، ولكني بصدد تسليط الضوء على ممارسة بائسة يتفنن
التنفيذيون في القيام بها ولا يستنكرونها أبدا، سواء في قطاع التأمين أو القطاع
المصرفي وغيره، وأقصد الالتفاف على المعايير المهنية عن طريق استغلال الثغرات
القانونية، بل وحتى ''اللغوية'' وغيرها من الثغرات، وتجاهل ''روح'' المعايير
والقوانين، بطريقة لا تدل إلا على تأصل الغش والفساد والتدليس في نفس من يمارس هذه
الألاعيب الشيطانية، التي يذهب ضحيتها المساهمون والمدخرون الذين أخطأوا حين
افترضوا أن قوائم شركاتهم تعكس الواقع المالي لها.
فنتائج
المراجعة التي قامت بها سلطات المال في نيويورك تشير إلى أن شركات التأمين لا
تتورع عن الكذب والتدليس لإخفاء المخاطر، وللتهرب من تجنيب احتياطات كافية لتغطية
هذه المخاطر. وعلى الرغم من أن القوائم المالية مراجعة، وعلى الرغم من تعاقب مجالس
إدارات هذه الشركات ومسؤولي المالية فيها، يبدو أن الجميع لم ير ضيرا في الكذب على
المساهمين الذين تم تضليلهم.
أما
المشرعون والقائمون على سلطات المال في نيويورك قبل تسلم بينجامين لوينسكي
مسؤولياته، فإما أنهم أقروا بهذه الممارسة غير الأخلاقية وغير المهنية والمدلسة،
وإما أنهم لم يقوموا بواجباتهم على أحسن حال لاكتشاف سوء الممارسات التي تحدث،
والتي أصبحت من سمات قطاع المال بشقيه المصرفي والتأميني. وفي الحقيقة لم تكن مهمة
بنجامين لوينسكي سهلة أبدا حين بدأ تنظيف قطاع المال، فقبل أن يصطدم بالمصارف
وشركات التأمين وبيوت الاستشارات المالية، اصطدم بزملائه في الجهات الرقابية في
واشنطن ووزارة العدل، الذين كانوا يرونه متسرعا وربما ''طائشا'' أيضا. ولكن الأدلة
الدامغة على سوء ممارسات قطاع المال كانت في صالحه دائما. مصارف تمارس عمليات غسل
أموال لدول إرهابية، مصارف تتعاون مع جماعات الاتجار بالمخدرات في أمريكا
الجنوبية. شركات إعادة تأمين تتعامل وتغطي مخاطر قتلة وسفاحين وسفلة، شركات تأمين
تدلس على المساهمين وتقدم قوائم مالية مضللة، بيوت استشارات مالية تكذب على
السلطات وتخفي معلومات تدين المصارف، هل هذا قطاع اقتصادي أم وكر إجرامي؟ وهل من
يسير هذا القطاع اقتصاديين وتنفيذيين أم مجرمين وسفلة وقاطعي طرق.
لم
توضع القوانين والأعراف المحاسبية إلا للتقيد بها، حفاظا على مصالح المساهمين
وحفاظا على سلامة الموقف المالي لقطاعات المال من مصارف وتأمين وإعادة تأمين. وما
انتشار ممارسة الالتفاف على القوانين والأعراف المالية سوى دليل آخر على تأزم
أخلاق القائمين على شركات التأمين والمصارف. كما لم توضع القوانين والأعراف
المالية والمحاسبية لاستعراض قدره التنفيذيين على ممارسة ''الألعاب البهلوانية''
للالتفاف عليها، بل فرضت حفاظا على مصالح الأطراف ذات العلاقة كلهم بلا استثناء.
إن الاجتهاد في تقديم قوائم مالية لا تعكس واقع الشركة عمل إجرامي يجب أن يعاقب
عليه القانون بأشد العقوبات المغلظة. لا يمكن للأزمات المالية أن تنتهي في ظل
سيطرة من لا خلق له على قطاعات اقتصادية حيوية. كما لا يعقل أن يستمر في عمله طليق
اليدين من ثبت أنه يتفنن في تضليل المساهمين والمشرعين على حد سواء. لا بد من
تنظيف وتعقيم القطاع المالي من الممارسات المشينة التي تقع فيه.
عن الإقتصادية