الإستثمار في الخوف – ابراهيم غرايبة
يمكن رد الأسواق العملاقة في التأمين والضمان
الاجتماعي والعقارات، إلى الخوف؛ الخوف من المجهول والمستقبل والمخاطر. شركات
التأمين تقوم على شعورنا بالخوف والمخاطرة! إذ كان ثمة سؤال دائم يشغل الناس
العاديين والتجار والشركات: أليس هناك ما يمكننا القيام به لحماية أنفسنا من
الأزمات الحقيقية والمجازية؟ لقد أنشأت سوق التأمين منذ بداياتها المتواضعة في
القرن الثامن عشر، أجوبة عن ذلك السؤال.
إن تاريخ إدارة المخاطر صراع طويل بين رغبتنا
اليائسة لتأمين أنفسنا لنكون بأمان، والواقع الصعب بأنه ليس هناك شيء اسمه
المستقبل على نحو منفرد، بل هناك "مستقبلات" متعددة وغير منظورة، لن
تفقد قدرتها أبدا على أن تفاجئنا.بدأ نوع من سوق التأمين يتكون في لندن اعتبارا من
أواخر القرن السابع عشر. وأُنشئت أول شركة للتأمين ضد الحريق العام 1680. وبدأت في
الوقت نفسه سوق متخصصة بالتأمين البحري.
ولم يكن التجار، بل علماء الرياضيات، هم المؤسسون
الحقيقيون للتأمين. ولكن رجال الدين هم الذين حولوا النظرية إلى التطبيق، عندما
أنشأوا في اسكتلندا، في القرن السابع عشر، صندوقا لإعانة أرامل وأيتام رجال الدين
الذين يتوفون.
وتطور نظام التأمين إلى نظام اقتصادي اجتماعي حكومي
(دولة الرفاه). لقد كان ذلك اختراعا رأسماليا، وليس من اختراع اليسار، بل وكان هدف
تشريع "بسمارك" للتأمين الاجتماعي، كما عبر عنه في العام 1880
"إيجاد حالة ذهنية محافظة لدى الجماهير العريضة من غير ملاك الأرض، تنبع من
الحق في الحصول على معاش تقاعدي".
ومن وجهة نظر "بسمارك"، فإن
"التعامل مع شخص يتطلع إلى الحصول على معاش تقاعدي عند تقدمه في العمر، أسهل
بكثير من التعامل مع شخص لا يتوقع ذلك". وكان امتلاك المنازل أساس
الارستقراطية البريطانية، ثم صار أساس الديمقراطية؛ "آمن كالمنازل"
عبارة متداولة، تعكس توق الناس إلى امتلاك البيوت. وتعني أيضا أنه ليس أكثر أمانا
من إقراض المال لأناس لديهم أملاك عقارية. ولذلك، فإن أهم مصدر أموال للأعمال
التجارية في الولايات المتحدة هو الرهن العقاري.
ولكن برغم الثقة بالعقار، وتطور العمل المالي
ومؤسساته، ما تزال عمليات التمويل معرضة لخطر الأزمات كما كانت في اي وقت مضى. لقد
وقعت الأزمة المالية العظمى بسبب الاستثمارات والرهون العقارية، وتسمى أحيانا
الفقاعة العقارية. لماذا نظل غير قادرين على إدارة الأزمات وتوقعها، برغم ما
امتلكنا من براعة، وبرغم تقدم الدراسات التي يمكن إلى حد كبير أن تتوقع الأزمة
وتساعد في مواجهتها؟ يجيب نيال فرغسن بأن الناس تقع بسهولة كبيرة في أفخاخ معرفية،
مثل تحيز التوافر الذي يجعلنا نقيم قراراتنا على أساس من المعلومات المتوفرة بشكل
أسهل في ذاكرتنا، وليس البيانات التي نحتاجها بالفعل؛ وتحيز الإدراك المتأخر الذي
يجعلنا نربط احتمالات الأحداث بعد وقوعها بشكل أعلى مما كنا نفعله قبل وقوعها؛
ومشكلة الاستقراء التي تجعلنا نصوغ القواعد العامة على أساس من المعلومات غير
الكافية؛ وتحيز التأكد الذي يجعلنا نميل إلى البحث عن أدلة مؤكدة لافتراض مبدئي
ما؛ وإهمال المجال الذي يمنعنا من أن نعدل على نحو متناسب ما ينبغي أن نكون على
استعداد للتضحية به من أجل تفادي الأضرار ذات الاحجام المختلفة؛ والثقة المفرطة
عند المعايرة التي تجعلنا نسيء تقدير فترات الثقة التي تكون فيها تقديراتنا قوية
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo