هل التأمين التعاوني مختلف عن التجاري؟ د.صلاح بن فهد الشلهوب
التأمين اليوم أصبح من المعاملات التي تدخل في كثير من تفاصيل معاملاتنا واحتياجاتنا، وإن كنا لا نلاحظ ذلك، إلا أن الكثير مما يصل إلينا يوميا تجد أنه يمر به التأمين بصورة أو أخرى، فالبضائع التي تصل إلينا من كل بلاد العالم يدخل التأمين في كل تفاصيلها، وكثير من المباني تجد أنه مؤمن عليها، كما أن التأمين الإلزامي للسيارات في المملكة جعل العلاقة بين المواطن والتأمين مباشرة أكثر من ذي قبل، والتأمين الصحي الذي تقدمه الشركات في القطاع الخاص لموظفيها أيضا جعل العلاقة بين كثير من المواطنين والتأمين مباشرة وملموسة، وهذه العلاقة تفسر حاجة الإنسان إلى التأمين، فلم يبتكر الإنسان التأمين من أجل الترف، بل إن كثيرا من الكوارث التي تحل به، وقد تؤدي إلى إفلاسه ووقوعه في مديونيات والتزامات لا يستطيع أن ينفك عنها، كان التأمين علاجا لها، ولذلك نشأ التأمين وانتشر بين التجار، وأصحاب المهن، للتخفيف من أثر ما يحل ببعضهم من الكوارث، سواء كانت بسبب الحرائق أو التهدم أو السرقة أو غيرها.
منذ فترة
ليست بالقصيرة وعلماء الشريعة يبحثون في مسألة التأمين لبيان الحكم الشرعي لها،
ومن ثم التعامل مع واقع التأمين الذي أصبح لازما في كثير من المعاملات، وتباينت
آراء العلماء في المسألة بين مبيح مطلقا ومحرم مطلقا، ومن توسط في المسألة، حيث
يقول إن النموذج التقليدي للتأمين محرم، ويميل إلى ابتكار نموذج آخر وهو ما يسمى
بالتأمين التعاوني، وذلك بحيث تتغير النظرة الفقهية له، حيث إنه في الصورة
التقليدية يندرج تحت عقود المعاوضات المبنية على المشاحة، التي لا تقبل وجود الغرر
في المعاملة، وبما أن التأمين مبني على عدم العلم في المستقبل عن مقدار ما سيحصل
عليه المشترك، فإن هذا غرر متحقق، وبالتالي فإنه يخالف قاعدة متقررة في عقود
المعاوضات وهي منع الغرر في المعاملات، والبعض الآخر يذهب إلى أمر أبعد وهو أن
المعاملة يمكن أن توصف بأنها ربا - وإن كان ذلك بعيدا نوعا ما - وذلك لأن هناك
تفاضلا ونسيئة بين ما يدفعه المشترك وما سيحصل عليه مستقبلا من شركة التأمين.
لذلك
يميل البعض إلى إيجاد صورة مختلفة من صور التأمين يمكن أن توصف بأنها تأمين تعاوني
وبعضهم يسميها التكافل، تدرج ضمن عقود التبرعات، وهذه العقود ليس فيها القيود
الموجودة في عقود المعاوضات، حيث إنها مبنية على التوسعة. لكن من الملاحظ اليوم أن
هناك بعضا من الفقهاء المعاصرين يميلون إلى عدم التفريق بين الصورتين في التأمين
التعاوني والتجاري، وذلك - بحسب وجهة نظرهم – أنه ليس هناك فرق عملي بين عقدي
التأمين التعاوني والتجاري، ولا يلمس المشترك فرقا فعليا بينهما. لذلك يميل هؤلاء
العلماء إلى الإباحة مطلقا أو التحريم مطلقا، وعلى رأي المبيحين فإن مبلغ التأمين
هو مقابل منفعة متحققة وليست محتملة، حيث إن توفير ما يحقق الأمان للإنسان مثل
الحراسات وغيرها حتى إن لم تباشر عملا فعليا في صد مخرب أو منع سرقة، تعتبر منفعة
تستحق مقابلا، وهذا الرأي قد يكون له وجه لكن يحتاج إلى تفصيل أكثر لتأكيد أن
عناصر القياس بين المسألتين موجودة ومتحققة.
ويبقى
السؤال: هل يوجد فرق بين التأمين التعاوني والتجاري؟
الحقيقة
إن مسألة تبرير عدم وجود فرق بين الصورتين بسبب أن المشترك لا يلمس ذلك الأثر، أمر
يحتاج إلى إعادة نظر، ولو نظرنا إلى هذه المسألة بهذا التصور لتشابه الأمر بين
معاملات المصارف الإسلامية والأخرى التقليدية، حيث إنها تمارس التمويل بصورة
متشابهة في نظر العميل، في حين أنها تختلف في الحكم في نظر كثير من الفقهاء.
والتأمين التعاوني فعليا يختلف عن التجاري، ولو طبق التأمين التجاري في السيارات
لوجد فرق ملحوظ، وهذا ظاهر في كثير من بلاد العالم، إذ إن تسعير التأمين مبني على
أسس تجارية، لذلك تجد أن التأمين يكون في تسعيره عاليا على البعض، في حين أنه يكون
بسعر معقول للبعض الآخر، وهذا ما يعزز جانب المشاحة في العقد، أما في التأمين
التعاوني فإنه وإن لم يكن العميل متبرعا بصورة مطلقة لصندوق المشتركين، إلا أنه
يجد نفسه متضامنا معهم، بحيث يكون تسعير التأمين متساويا، بغض النظر عما إذا كان
كل واحد منهم من الممكن أن يحصل على مقدار متساوٍ من التعويضات. كما أن هناك فرقا
بين التأمين التعاوني والتجاري في هيكل المعاملة ووظيفة شركة التأمين.
الخلاصة
أنه يوجد فرق فعلي بين التأمين التعاوني والتجاري، وهو ما يميل إليه كثير من
العلماء، والفرق بينهما واضح في طريقة تسعير قيمة الاشتراكات وهيكل المعاملة
ووظيفة شركة التأمين.
تعليقات
إرسال تعليق