استراتيجية التأمين الغائبة - د.فهد بن حمود العنزي
منذ
أن تم تنظيم سوق التأمين بالمملكة قبل نحو عشرة سنوات وسوق التأمين لدينا تشهد
كثيراً من التغييرات والتحديات. ولعل القضية الأبرز التي تستحوذ على اهتمام
المتابعين للسوق هي غياب استراتيجية واضحة لصناعة التأمين بالمملكة.
ومع
الحديث عن هذه الاستراتيجية يجب ألا نغفل كذلك القضايا التي تشغل بال المتابعين
للسوق، وعلى رأسها قضيتان مهمتان، هما التأمين الصحي وعدد شركات التأمين العاملة
بالسوق.
فالتأمين
الصحي يتم النظر إليه كإحدى ركائز التأمين بالمملكة، وكأحد الحلول الناجحة لتمويل
الرعاية الصحية، ووسيلة لتطوير القطاع الصحي، ولا سيما القطاع الصحي الخاص. فكثيرٌ
من مستشفيات القطاع الخاص لم تكن لتزدهر لولا وجود التأمين الصحي. وهذا الكلام
ينسحب كذلك على شركات التأمين التي وَجدت في التأمين الصحي السلعة الأكثر طلباً
والأكثر نمواً في السوق.
القضية
الأخرى التي تستحوذ على اهتمام المتابعين هي العدد الذي عليه شركات التأمين في
المملكة، والذي يتجاوز الـ30 شركة. وحتى خارج قضايا التأمين، فإن شركات التأمين
المدرجة في هيئة سوق المال برؤوس أموالها الصغيرة هي الأكثر جذباً للمضاربين في
السوق المالية؛ إذ إنه من السهل الاستحواذ على أسهمها من قِبل عدد قليل من
المضاربين في السوق، وبالتالي التحكم في قيمة هذه الأسهم صعوداً أو نزولاً. وهذا
بالطبع ظاهرة غير صحية، وقد يكون لها انعكاس سلبي على حملة أسهم بعض شركات التأمين
التي تعاني خسائر متراكمة قد تقودها إلى إيقاف التداول في أسهمها أو حتى الخروج من
السوق المالية. ولا سيما أن الحلول التي تنتهجها هذه الشركات هي زيادة رأس المال
دون تحقيق إنجازات مهنية على أرض الواقع.
إن
التحديات التي تواجهها صناعة التأمين بالمملكة تتطلب منا وضع استراتيجية واضحة
ومحددة للتأمين تأخذ في الاعتبار دور التأمين في التنمية وتفعيل هذا الدور من خلال
تبني خطط قائمة على فهم التأمين وتطويع آلياته وأدواته ليكون مساهماً فعالاً في
الاقتصاد، وعنصر أمان لكثير من المخاطر التي يمكن أن يستوعبها التأمين ويتعامل
معها ويخفف من آثارها. كما أن هذا الفهم يجب أن يمتد ليشمل المهن الحيوية المرتبطة
بالتأمين.
إن
أي استراتيجية للتأمين في المملكة ينبغي أن ترتكز على محاور رئيسة، لعل أهمها أن
يكون التأمين التعاوني أو التكافلي الخيار الأمثل للعمل به في المملكة، لكن
بمعايير عملية وأفكار خلاقة، وأن يتم إسناد التأمين إلى جهة رقابية متخصصة ومتفرغة
قادرة على التعامل بشكل مهني سليم مع هذه الصناعة الوليدة والمهمة بكل مكوناتها،
وقادرة كذلك على وضع السياسات المتعلقة بالتأمين موضع التنفيذ. وينبغي كذلك أن
تنبني هذه الاستراتيجية على تطوير صناعة التأمين من خلال العمل على خلق كيانات
كبيرة من شركات التأمين مُدعّمة بخبرات عالمية ومتميزة.
والاستفادة من نظام
الاستثمار الأجنبي ليكون الهدف في النهاية هو نقل المعرفة وتوطين صناعة التأمين
وإعادة التأمين كذلك. طبعاً هذه الكيانات الكبيرة هي التي ستكون قادرة على مواجهة
التحديات بمختلف أشكالها وأنواعها. ولعل خطة للاندماج بين شركات التأمين هي التي
ستقود إلى خلق مثل هذه الكيانات. كما ينبغي أن لا تُغفل هذه الاستراتيجية أهمية
التشريعات التي تحتاج إليها السوق، ولا سيما في الجوانب الموضوعية منها، والعناية
بتطوير قضاء التأمين بهدف خلق بيئة قضائية يوثق بها وبفعاليتها. والنظر كذلك في
توسيع مجالات التأمين، سواء فيما يخص التأمين الإلزامي أو الاختياري، وخلق منتجات
جديدة، وكذا استفادة القطاع الحكومي من برامج التأمين. علاوة على أن تشمل
الاستراتيجية التعليم والتدريب كأحد روافد صناعة التأمين المهمة. إن التحديات
كثيرة والجهد المبذول ينبغي أن يكون بمستوى هذه التحديات.
تعليقات
إرسال تعليق