مثلث برمودا والإحتيال البحري - فهد عامر الأحمدي
بدأت أشعر مؤخراً بأنني أصبحت (لمؤاخذه) كاتباً مخضرماً... بكلام آخر ؛ بدأت أشعر بأن لديّ قدماً بين جيل "الشياب" بينما قدمي الأخرى ماتزال في جيل "الشباب"..
ويتملكني هذا الشعور بالذات حين يسألني شاب صغير عن قضايا ومسائل لم تعد
تثير اهتمامي أو حماسي كما كانت تفعل بالنسبة لي في سن المراهقة والشباب.. فبعيد
أن انتهيت مؤخراً من إلقاء محاضرة في مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض لحقني قارئ
صغير (لا أتوقع تجاوزه للمرحلة المتوسطة) ليسألني عن مثلث برمودا. وبالكاد كتمتُ
رغبتي في الضحك وأخبرته صراحة أن الموضوع "قديييم" ولم يعد اليوم يثير
اهتمام أحد.. ولكنه عاد وأحرجني بسؤال مزدوج: يعني لا يوجد شيء يدعى مثلث برمودا؟ وأنك شخصياً لم تكتب عنه أبدا؟
وعندها لم أملك غير الاعتراف بوجود هذا المثلث، وأنني كتبت عنه حين كنت في
مثل سنه، وأنني أصبحت على قناعة بأن الأمر مجرد مبالغة تم تبنيها لصالح تجار
المخدرات.. ودور النشر في أمريكا..
فهذه المنطقة البحرية (كما نعلم) اشتهرت بسبب حوادث اختفاء السفن وقوارب
وطائرات مختلفة .. وهي عبارة عن مثلث وهمي في المحيط الأطلسي يقع بين جزيرة برمودا
وولاية فلوريدا وجزيرة بورتوريكو وتبلغ مساحته 770 ألف متر مربع..
ورغم الادعاءات الكثيرة حول هذا المثلث لم أرَ فيه يوماً غير حوادث عادية
ومعدودة يمكن أن تقع في أي مكان في العالم.. غير أن هذه الحوادث اقتُبست ضمن
سيناريو رعب وتشويق فبركها كُتاب مهووسون أمثال تشارلز بيرلتز صاحب أول وأشهر
كتابين في هذا الموضوع "بدون أثر" و"مثلث برمودا"... ولكن
الحقيقة هي أن هذه المنطقة من أكثر المناطق ازدحاماً في العالم وتمر بها يومياً
يخوت أثرياء فلوريدا وعشرات السفن التجارية القادمة والذاهبة من أمريكا ودول
الكاريبي (دون أي مشاكل تذكر).. وبناء عليه ليس من المستغرب أن تقع فيها على مدى
قرنين أو ثلاثة بضع حوادث اختفاء لا تثبت شيئاً بالتحديد ولايمكن الاعتماد عليها
لإثبات تميز أو شيطانية هذه المنطقة
!
وفي الواقع حتى حوادث الاختفاء المشهورة فيها لا تتجاوز ثلاثة أو خمسة
بالكثير.. فقد بدأت - حسب ما أتذكر - باختفاء خمسة قاذفات أمريكية عام 1945 ثم
اختفاء عشرين قارباً عام 1965، وأخيراً حوامة بحرية عسكرية عام 1967 (وحتى
القاذفات الخمس الَّتي اختفت عام 1945 اكتشفت مؤخراً بواسطة فريق من الغواصين على
بعد عشرة أميال من ساحل لردردال)
- السؤال هو من يقف وراء الترويج لهذه المنطقة
كمثلث رعب؟
...
الجواب باختصار : كُتاب
الخيال العلمي ، وتجار المخدرات ، وعمليات الاحتيال البحري..
فمن الناحية المادية أصبح أي كتاب يؤلف حول هذا الموضوع يوزع ملايين النسخ
في أمريكا وحول العالم.. أما تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية فاستغلوا السمعة
السيئة لمثلث برمودا لنقل بضاعتهم خلال المناطق المصنفة ك"ممرات بحرية
خطرة".. وحين اشتهرت كمنطقة خطيرة أصبحت مكاناً مفضلاً لممارسة عمليات
الاحتيال والتهريب والتلاعب على شركات التأمين!!
وليس أدل على النقطة الأخيرة من أن شركة التأمين المعروفة لويدز رفضت دفع
قيمة التعويض لناقلة تدعى "سيلم" بعد أن أثبتت التحريات أنها كانت تعمل
لتهريب النفط والمهاجرين، وأنها كانت تغير اسمها إلى (ليما) كلما توجهت إلى جنوب
أفريقيا. وحين شعر ملاك الناقلة بافتضاح أمرهم أغرقوها عمداً في "مثلث
برمودا" لقبض قيمة التأمين مستغلين السمعة السيئة لهذه المنطقة .. وهذه
الحادثة مجرد نموذج واحد لما ورد في تقرير مشترك لشركات تأمين عالمية حول حوادث
نصب عديدة جرى فيها إغراق السفن عمداً في تلك المنطقة لاستلام قيمة التأمين ..
وجاء في التقرير أن 17 قارباً ويختاً (من أصل أربعين) أُغرقت عمداً في تلك المنطقة
(وفي عام 1978 فقط) لأغراض احتيالية!!
إذاً هذه هي خدعة برمودا ... وهي بدورها خدعة "مخضرمة" يلعب السن
دورا في تفسيرها..
تعليقات
إرسال تعليق