في التأمين من هو الطرف الأضعف؟ د.فهد بن حمود العنزي
قد يتبادر لأذهان كثيرين أن
الطرف الأضعف في العلاقة التأمينية هو العميل، لكن الحكم على هذه المسألة ليس
بالأمر الهين، ذلك أن التأمين أو عقد التأمين على وجه الخصوص وكأي علاقة قانونية
بين طرفين تتجاذبها أوضاع معينة تؤثر في مراكز الأطراف من حيث القوة أو الضعف أحياناً.
وهذا يبدو واضحاً في العقود
الزمنية أو كما يسميها البعض بالعقود المتراخية وهي تلك العقود التي لا تنتهي بعد
إبرامها مباشرة وإنما تتطلب زمناً معيناً لتنفيذها، وذلك مثل عقود المقاولة
والإيجار، فالمقاول يحتاج لتنفيذ التزاماته إلى وقت معين والمستأجر أيضاً يلتزم
بدفع الأجرة في كل فترة زمنية يحددها العقد، والتأمين كذلك يعد من العقود الزمنية
ويتضح ذلك جلياً في أن التزام شركة التأمين يستمر طيلة سريان العقد.
في العقود الزمنية فإن مراكز
الأطراف تتغير من مرحلة أو من حالة لأخرى فالمؤجر يكون مركزه القانوني عند إبرام
عقد الإيجار قوياً ولكنه قد يضعف عند قيام المستأجر بسكنى العين المؤجرة ورفضه
إخلاءها. وإذا عدنا لعقد التأمين فإن مراكز الأطراف قد تتبدل بمرور الزمن فشركة
التأمين تكون في الغالب الطرف الأقوى وعناصر هذه القوة تتمثل في قدرة شركة التأمين
على الإيقاع بالعميل لإبرام عقد وفق الشروط التي وضعتها أو على الأقل وفق رؤيتها
وتصوراتها، وعادة ما يكون لشركة التأمين مقدرة قانونية فائقة وخبرة عملية وفنية
كبيرة بحيث تضمن بقاء مركزها القانوني قوياً في مواجهة العميل طيلة سريان عقد أو
وثيقة التأمين، هذا إذا ما علمنا أن عقد التأمين يتجه حالياً في المملكة لأن يكون
من عقود الإذعان.
وعقد الإذعان من الناحية
القانونية هو ذلك العقد الذي يكون أحد طرفيه قوياً ويكون الطرف الآخر ضعيفاً بحيث
لا يستطيع هذا الأخير مناقشة الشروط التي يضعها الطرف القوي فإما أن يقبل بها على
علاتها وإما ينسحب قبل إبرام العقد، ومن هذا المنطلق فبعض الفقهاء القانونيين
يُخرج عقود الإذعان من إطار مفهوم العقود بحجة أن العقود يجب أن تكون مبنية على
إرادة حرة سليمة وهو بحسب رأيهم لا يتوافر في عقود الإذعان ومنها عقد التأمين،
ولكن الرأي الغالب يرى أن لا تأثير هنا على الإرادة لأن الطرف الذي لا يستطيع
مناقشة شروط العقد وتغييرها يمكنه الانسحاب بإرادته من عملية التعاقد برمتها وهو
غير مجبر على توقيع العقد مع هذا الطرف القوي بالذات.
وبالرغم من هذه القوة التي
ترتكز إليها شركات التأمين فهي ترى أنها ستكون الطرف الأضعف بعد إبرام العقد مباشرة،
حيث إن العميل سيُهمل في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لأنه لن يخسر شيئا فشركة
التأمين هي من سيدفع التعويض له أو تتحمل دفعه بدلاً عنه، أي أنها ستكون مهددة
بإهمال المؤمن له أو عدم مراعاته قواعد السلامة مما يؤدي إلى زيادة احتمال حصول
الخطر أو تفاقمه في حالة حصوله. وهذا الإحساس بالضعف هو الذي يدفع شركات التأمين
إلى فرض شروط صارمة على العميل وإجراءات مستمرة ينبغي عليه اتخاذها حتى يكون
التأمين سارياً وهذا يبدو واضحا في تأمين الحريق والسرقة، أو أن تقوم الشركة بفرض
نسبة تحمل على العميل في حالة حصول الخطر المؤمن عليه كما هو الحال في تأمين
المركبات.
بعض الشركات تستغل ضعف العميل
في حالة حصول الخطر وتقوم بمساومته بدفع مبلغ أقل من المبلغ المطلوب وذلك عندما
تعرف أن العميل بحاجة إلى التعويض بأقصى سرعة ممكنة نظراً لتعطل نشاطه التجاري
وهذا يكون عادة في التعويضات ذات المبالغ الكبيرة، ومن وجهة نظري فإن شركات
التأمين تبقى في الغالب الطرف الأقوى.