كيف تحتال شركات التأمين على المواطن؟
كثيرة
هي الكوارث التي ألمّت باللبنانيين خلال عهود مَضت، ولا سيما خلال الحروب
المتعاقبة على لبنان، دفع فيها اللبنانيون الأثمان باهظة حين اضطرت شركات التأمين
إلى عدم تغطية المؤمّنين نتيجة اعتبارها ان عمليات النهب والاستيلاء على موجودات
المخازن والشركات والمصارف كانت من بين الأخطار المستثناة.ولعل كلمة استثناءات هي
الأكثر شيوعاً، إن لم نقل الفخ المعتمد الذي لجأ إليه بعض شركات التأمين للتهرّب
من تغطية الحوادث، إن بسبب جهل المؤمّن او وجود ثغرة في العقد، او بسبب
الاستثناءات.
خليل
وميرنا عقدا قرانهما حديثا، حالتهما المادية متوسطة. لجأ خليل إلى احدى شركات
التأمين فوراً بعد زواجه ليؤمّن عائلته الصغيرة. وخليل انسان واعٍ قرأ العقد جيداً
قبل توقيعه، بعدما تأكد من حصوله على عقد تأمين الأمومة
(Maternité)،
وذلك بغية تغطية نفقات الولادة وتبعاتها في حال حصول الحمل لزوجته، وهكذا كان...
حملت ميرنا وأنجبت صبياً في مستشفى خاص في بيروت، ولكن الله شاء أن لا ينعم هذا الطفل بصحة جيدة، فتوالت الجلطات الدماغية على رأسه الصغير ليمكث مدة شهر في غرفة العناية الفائقة بين الموت والحياة، لتخرج العائلة من المستشفى مصدومة بالكلفة الباهظة التي وصلت الى 27 مليون ليرة لبنانية.
أما الصدمة الثانية التي أثقلت جراح العائلة وكأنها لم تكتف من الأولى، فكانت رفض شركة التأمين تغطية النفقات بحجة أن التأمين يغطي العائلة الصغيرة المؤلفة من الزوج والزوجة وليس الطفل. ولمّا ذكّر خليل الوكيل بأنه دفع تكاليف عقد الأمومة أي الـMaternité، اوضح له الوكيل ان عقد الامومة يغطي نفقات الأم وليس المولود.
ولمّا عاتبه خليل على عدم ذكر هذا البند في الاتفاق، كان جواب الوكيل: أنا اوضحت لك، ربما لم تسمعني أو ربما انت لم تسألني أصلاً لأنك لم تفترض أن زوجتك ستنجب ولداً غير معافى.
«شد الرباط»
أما السيد روكز عازار وهو مالك معمل سيراميك، فشحن أخيراً بالبحر مستوعباً من الخارج بعدما تأكد من التأمين عليه من السرقة والغرق، الا ان المستوعب غرق في البحر. ولمّا هرع روكز مستنجدا بشركة التأمين، تريثت في الدفع قبل إجراء تحقيق مفصّل عن سبب الغرق.
وكم كانت صدمة روكز مؤلمة عندما تبلّغ من شركة التأمين انها غير مستعدة للدفع، بعدما اعتبرت انها اكتشفت بعد التحقيق أنّ "الحبال التي لُفّ بها المستوعب لم تكن موثقة بشكل جيد".
ولمّا استفسر عن الموضوع، أشار الوكيل بإصبعه الى فقرة مكتوبة بخط صغير في العقد تشير الى ضرورة متانة رباط المستوعبات.
«ما كنت عارف إنو لازم قول»
أما طارق فلم يتمكن من قبض التأمين على الحياة الذي تمّم والده دفعاته قبل أن يفارق الحياة نتيجة تشمّع كبده. ويخبر أن سبب عدم تمكنه من قبض التأمين، حسب الشركة المؤمّنة، كان تكتم والده عن جهل وليس بسبب سوء نية عن التصريح عن إصابته بداء السكري منذ صغره أي قبل إتمام عقد التأمين.
وعلى رغم انه استجوب سابقا من قبل الوكيل، الّا انه لم يشر اليه. وعلى رغم انّ شركة التأمين غطت نفقات استشفائه التي بلغت 12 الف دولار أميركي أثناء علاجه في المستشفى بسبب تشمّع كبده، فقد توفي بعد شهر من علاجه بسبب تشمع الكبد، الّا ان التحقيق الذي أجرته شركة التأمين بيّن لها أنه اقر اثناء علاجه ولعدة أطباء انه يشتكي من علو في نسبة السكري في دمه منذ زمن.
وكانت النتيجة ان شركة التأمين استعملت هذه الـحجة، أي "التكتم"، لتلجأ إلى إبطال العقد.
وكي لا تصبح الجملة الشهيرة "ما كنت عارف إنو لازم قول"، ندبة يرددها المؤمّن عند وقوع البلية، يجب استخلاص العبر من كل حادثة تأمين لتلافي الأفخاخ التي تتضمنها عقود التأمين عن قصد او غير قصد، وربما ليس عن سوء نية، انما لا يجب أن ينسى المواطن أنّ شركات التأمين ليست مؤسسات خيرية، فهي بالنهاية شركات تجارية تبغي الربح وتحاول التملّص من الخسارة.
أما بالنسبة الى المواطن، فهناك حالة من نقص الوعي التأميني في تركيبته. فأهمية التأمين تنبع من كونه عقداً تتعهد بموجبه شركة التأمين تسديد التعويض للمؤمّن عند وقوع خسارة مؤّمنة. وهذا يعني أنّ التأمين يعمل وفقاً لمبدأ تعويض يحمي الإنسان أو المؤسسة من أخطار يمكن أن تؤثّر في عمله وحياته وهو يعطي الطمأنينة، إضافة الى دوره في تقليل الأخطار ومكافحة نتائجها من خلال ما فرضته شركات التأمين من معايير سلامة او إجراءات للحد من الخطر.
تنبيهات قبل توقيع عقد التأمين:
• على طالب الضمان التعامل مع الشركات الكبرى، لأنّ النزاع معها عند الاحتكام إلى القضاء يكون محقاً وقانونياً.
• على طالب الضمان قراءة التحديدات والشروط العامة، والتغطيات الأساسية للعقد.
• قراءة واعية للاستثناءات المُشار اليها بوضوح باللون وبالخط
• من المستحسن قراءة العقود المهمة بواسطة محامٍ او اختصاصي تأمين.
• الانتباه جيدا الى سيرة الوكيل والتقصي عنه وذلك بعد إفادات عدة من مواطنين عن صفقات رشاوي تتم بين الأطباء ووكلاء التأمين عند فحص المؤمّن وقبل كتابة التقارير الطبية النهائية. وعند الحادث يتحمّل المؤمّن عدم التغطية نتيجة جشع الوكيل ورشوة الطبيب، ويكون وحده الضحية.
• الإفراط في الثقة في الشركة او العقد خطأ فادح.
• يجب عدم استرخاص قيمة التأمين.
• حاسبوا "المبيعات السهلة". أحيانا تلجأ شركات التأمين الى الضغط على الوكيل ليحقق الهدف الشهري المطلوب، فيلجأ الى المبيعات السهلة بغية تحقيق ارقام عالية في المبيع، فلا يخبر المؤمّن عن الاستثناءات.
• عند دفع الأقساط الشهرية او السنوية يجب على المؤمّن ان يتأكد من استلامه الإيصال باسم شركة التأمين مع طابع بريدي وليس باسم الوكيل.
• يجب قراءة الاستثناءات جيدا، خصوصا مخاطر الحرب.
• مخاطر الحرب لا تغطي المؤمّن اذا كان يقاتل او كان معنيّاً بالاغتيال لأن المؤمّن يقول: "لَو شو ما كان أنا مغطّى".
• حاذروا العقود المطبوعة بأحرف صغيرة، هنا يكمن خداع أكيد، فالعقود السليمة تكون حروفها كبيرة وواضحة.
• تجنبوا توقيع العقود التي كتبت فيها الاستثناءات بحروف صغيرة عكس حروف العقد.
• حاذروا توقيع العقود الطويلة والمتعددة الصفحات لأنها طبعت خصيصا كي يملّ المواطن من قراءتها فيستسلم في النهاية وتغدو البيعة سهلة للوكيل (Fast Closing).
• حاذروا الـ "Attaque Vente" أي الوكيل المستفرس الذي يلجأ إلى قوة شخصيته لإتمام البيعة. في حالة شعور المؤمّن بالضعف، من الذكاء الطلب من الوكيل التريث حتى صباح اليوم التالي بحجة التفكير مليّا وقراءة العقد بهدوء.وفي ضوء ذلك، إمّا ان يوقّع طالب التأمين العقد، او يبحث عن شركة اخرى، وبذلك يجبر شركات التأمين على تحسين العقود وتفعيلها...
• أما المهم والأكثر أهمية فهو التصريح الذي يُدلي به المؤمّن عند اكتتاب العقد، لأن الأخير ينشأ في ضوء التصاريح والمعلومات التي يدلي بها المضمون، و90 في المئة من الإشكالات القانونية تكمن في هذه التصاريح.
• على المضمون ان يصرّح بدقة للضامن عن كافة الظروف والمعلومات المعروفة لديه، والتي تمكّن الضامن من تقدير الأخطار التي يأخذها على عاتقه، فكل كتمان او تصريح مغلوط من قبل المضمون عند الاكتتاب او خلاله، حتى لو لم يكن ذات تأثير في الحادث، يعرّض مرتكبه الى إبطال العقد من اساسه.
ومع ذلك، تبقى بعض شركات التأمين المحلية مصرّة وقادرة على التنصل من التزاماتها تجاه المؤمّنين لسبب او لآخر، خلافاً لشركات التأمين المحترمة في الدول الراقية التي تقوم
بواجباتها في تسديد ما عليها انطلاقا من نقطتين:
اولاً: هناك دولة وقوانين قاسية لا تسمح للتلاعب من الجهتين (الشركة والزبون)، ولا للتهرب من دفع بدلات التأمين.
ثانياً: تعتمد شركات التأمين العالمية على السمعة الطيبة لاستقطاب المزيد من الزبائن، ولذلك تسارع الى تسديد ما عليها لتكسب ثقة الناس.
صحيفة الجمهورية